عُرفت لحياة البدوية بأنها منظومة من العلاقات الاجتماعية التي تقوم على الفطرة الربانية والأصالة في العادات والأعراف القبلية، وهي منشأ الأنبياء والحكماء وملجأ الصالحين والزّهاد؛ لذلك كان الخلفاء والأمراء فى عصور الحضارة الإسلامية يدفعون بأبنائهم إلى البادية لاكتساب الشجاعة والفروسية؛ لتشتد سواعدهم، وتقوى عزائمهم ويتحملوا المشاق والمسئوليات الجسام كما كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية؛ لتعلم اللغة والشعر لتستقيم ألسنتهم، وتصح مترادفاتهم وتصفو قرائحهم فالبدو هم العرب العاربة الذين احتضنتهم الصحراء.
وإذا ما رجعنا لنشأة العِرق البدوي؛ فإننا سنجد أن جذور هذا العِرق ممتدة كامتداد الكثبان الرملية في الصحراء، ومما يدل على أزلية هذا العرق وارتباطه بالحضارة منذ فجر التاريخ ما جاء في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- والتي أشار الله -عز وجل- فيها إلى أنه ينتمي إلى البدو؛ حيث قال تعالى في محكم التنزيل: (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ) سورة يوسف .
وكذلك مما يدل على عراقة هذا المسمى ما حملته لنا كتب السير والأعلام من حقائق مثبتة تدل على أن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد تربى في مجتمعٍ بدوي، وكان يفتخر بذلك حيث مكث في البادية سنين طويلة تعلم فيها الفصاحة في الكلام والصلابة والإقدام؛ فمن يعيش في البادية يتمتع بصفات قل ما توجد في المجتمات الأخرى بحكم ما تفرضه البيئة الصحراوية والحياة القاسية على الإنسان.
ويمتاز البدو بقوة الأجسام والحواس واللغة الفصيحة؛ لأنّ أهل البادية يعتمدون على الترحال والتنقل الدائم، فتكون بنية أجسامهم قوية وصلبة؛ حيث يحملون السلاح واثقين بأنفسهم فمتى ما دعاهم داع أو استنصرهم صارخ أو مظلوم هبوا لنجدته حتى لو كلفهم ذلك المخاطرة بحياتهم، وكذلك يمثِّل حسن الضيافة بعضًا من الأخلاق البدوية، إذ يشتهر البدو بحسن الترحيب بضيوفهم، وإكرامهم فهي سجيةٌ من سجاياهم الكريمة التي لا زالوا متمسكين بها، ولا يحيدون عنها مهما كان الثمن، فقد ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وهي ميزةٌ من مزاياهم الحميدة التي حباهم الله بها فهم لا يصطنعونها اصطناعًا إنما تأتيهم عفويةً خالصة، وبشكل تلقائي فالبدويّ عرف بشهامته وحسن معشره، وإكرامه لضيفه، واستقباله له بوجه بشوش حتى يستأنس ضيفه وتنفرج أساريره.
وإذا ما نظرنا إلى الصورة التقليدية عن حياة أهل البادية الراسخة في عقول بعض الرُعناء والحمقى الذين تأثروا بالاستعمار وبغزو الثقافة الغربية الحديثة، والذين يعانون من فنون الملذات والعكوف على الشهوات؛ فإننا سنجد أن الصورة الذهنية التي رسموها للبدوي الأصيل هي صورة مغلوطة هدفها ازدراء أبناء الصحراء؛ حيث يقلل بعض هؤلاء المستعربين من شأن البدو. ودورهم في المجتمع، ويضربون بهم المثل في التخلف وحب القتل والتخريب والنهب والسلب وقطع الطرقات مع أنه ليس لهؤلاء الجهلة ما يفخرون به فلا نسب لهم ولا حسب ولا خلق كريم ولا تاريخ مشرف إلا أن حقدهم الدفين أنساهم أن معظم الحضارات العربية العريقة على مر العصور انطلقت بكل فخر واعتزاز من بداوة الصحراء.
لذلك فكل كلام بذيء يطلقه أولئك من الناعقين والذوات المسيرة ضد أبناء الخليج بصفة عامة وضد شعب المملكة العربية السعودية وحكامه بصفة خاصة إنما هو نابع من الغيرة التي تحرك ألسنتهم المعوجة والحسد الذي سكن قلوبهم المريضة؛ فتراهم يهرفون بما لا يعرفون خاصة وأن حكام وقادة الخليج -حفظهم الله- ينتمون إلى تلك البداوة الأصيلة التي جعلت منهم أنموذجًا يحتذى في الكرم والشجاعة والجلادة ونصرة المظلوم وخير شاهد على ذلك ما شهدته دولهم من التطور الحضاري والعصري في مدة وجيزة لا تتعدى نصف قرن من الزمان .
وبناء على ما سبق، فإن من يزدري البدو أو يقلل من شأنهم أو يصفهم بما ليس فيهم؛ فإن في ذلك يعد دليلًا على حقده، وعدم وصوله إلى ذلك الشرف والنسب الكريم، فنحن بدو ولنا الفخر ببداوتنا فالبدو هم أصحاب الفصاحة، وهم أصحاب المروءة والشجاعة والشهامة، وهم أصحاب الصفات الحميدة والأخلاق العالية وهم صُناع الحضارات على مر العصور؛ لذلك خلدهم التاريخ في صفحات من ذهب؛ فأي عاقل بعد هذا كله يمكن أن يذم البدو والبداوة وهي منشأ الأنبياء والحكماء ؟.
وخزة قلم:
من ينتقص من البدو والانتساب إليهم؛ فعليه أن يبحث عن آبائه وأجداده في سجلات فارس فهو من بقاياهم..