عبدالرحمن العامري

مسافرون في زمن الوباء

عُرف عن العرب قديمًا أنه كانت لهم رحلتان في العام هما رحلتي الشتاء والصيف، وقد ورد ذكر هاتين الرّحلتين في قوله تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾؛ وفي ذلك دلالة على أن الناس منذ قرون طويلة، وهم يعشقون التنقل والسفر، ومن تلك الرحلات المشهورة ما كانت تقوم قبيلة قريش في كل عام، حيث كانوا يتجهون في الصيف إلى الشام؛ لأن مناخها معتدل أمّا في الشتاء فكانوا يذهبون إلى اليمن؛ لأن مناخها دافئ.

وقد تحول مفهوم السفر في العصر الحديث إلى معيار مركزي من خلال توسيع تجربة الثقافة، والخروج من ضيق الذاتية والهوية المغلقة إلى اكتشاف مظاهر الحياة وفنونها في مختلف دول العالم؛ فالسفر كما يقولون يُسفر عن معادن الناس وأخلاق الرجال، وهو معنى مشترك في أمثال الأمم والشعوب، وأيضًا يكشف السفر للإنسان عن زوايا جديدة في نفسه، وفي العالم، وفي وطنه بخوضه لتجربة مختلفة، ورؤيته مدى الاتفاق والاختلاف بين البشر، وما يراه الناس عن السفر يظهر في آرائهم عن رحلاتهم كما أنه يدرب الإنسان على قيم التسامح والسلم، واكتشاف انسانيته .

ومع أنهم كانوا وما زالوا يقولون إن في السفر سبع فوائد، وقيل عشر ذكروا منها التعرف على ثقافات جديدة وأشخاص جدد وتغيير الحالة النفسية، وأيضًا التعرف على المعالم السياحية والطبيعية وغيرها إلا أن هذه المقولة تبددت وتقوضت دعائمها منذ تفشي جائحة فيروس كورونا وانتشاره في أصقاع الكرة الأرضية؛ حيث فرض هذا الوباء عدة قواعد على المسافرين حول العالم؛ فبعد أن كان السفر يتم من خلال تذاكر الطيران وجواز السفر فقط، إلا أن الحال تدل وأجبر كورونا المسافرين على إجراء عدة منها على سبيل المثال إجراء وعمل المسحات الطبية قبل السفر؛ للتأكد من خلو الشخص من الفيروس، وكذلك أصبحت العديد من وجهات السفر تشترط على المسافرين الخضوع للحجر الصحي لمدة قد تصل إلى أسبوعين منذ لحظات الوصول.

لذلك فإن السفر في زمن الوباء لم يعد متعة كما كان قبل سنوات، بل بات قطعة من العذاب والمشقة والتعب والتوتر العصبي والضغط النفسي والعبء المالي؛ حيث أصبحت المطارات ومحطات السفر المختلفة مليئة بالقصص الحزينة والمؤلمة، فاختفت الابتسامة والبهجة التي كانت تملأ أماكن الانتظار داخل المطارات، وحل بدلًا منها البؤس والشقاء والقلق والتوتر.

فهذا مسافر تمت إعادته من حيث أتى لأن تحليل كورونا انتهت مدته، وهذا مسافر تمت إعادته من المطار؛ لأن الجهة التي أصدرت تقرير التحليل له غير موثوق بها، وذاك مسافر آخر يفاجأ وهو في منتصف الرحلة بأن الدولة التي قرر وجهته إليها قد أصدرت قرارات بتقييد حركة الدخول إلى أراضيها، وبالتالي عليه العودة من حيث أتى، أو أنها فرضت حجرًا صحيًا بشكل مفاجئ، ولا يستطيع تحمل أعباءه المالية أو أن الدولة أغلقت حدودها فجأة، ولم تعد تستقبل مسافرين من الأماكن الموبوءة بل إنه في زمن كورونا تحولت صالات المطارات إلى ما يشبه المستشفيات ودور الرعاية الصحية؛ حيث تتواجد الطواقم الطبية وأدوات التعقيم والتحليل، وقياس درجة حرارة الجسم، كما كثرت الطوابير من المسافرين الذين ينتظرون حسم مصيرهم، إما إلى الحجر الصحي أو الحجر المنزلي.

وفي الختام فمهما كانت وجهة سفرك، ومهما كان للسفر من فوائد عديدة تعود عليك بالنفع، إلا أنه يجب عليك أن تتذكر أن السفر تجربة إنسانية أصبحت في زمن الوباء شبه مستحيلة. كما يجب عليك أن تقتنع بأن حركة التنقل حول العالم لن تعود إلى سابق عهدها في الوقت القريب نظرًا للتغيير الذي أحدثته جائحة كورونا في جوانب متعددة، من حياة الناس بصفة عامة والمسافرين بصفة خاصة أبرزها غلاء الأسعار، والاشتراطات الطبية المشددة، وغيرها من المعايير، والمتطلبات التي ستجعل من السفر أُمنية لن تكون في المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل الجائحة.

وخزة قلم :
في زمن الأوبئة لا تجعل همك واهتمامك كلام الناس لمجرد القول بأن فلان سافر فلربما خسرت صحتك ومالك .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button