ورد في مسند الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ بِالْمَوْقِفِ، فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُني إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
عند قراءتي لهذا الحديث استوقفتني جملة “أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُني” وأخذت أرددها في نفسي وأحاول أن أتخيل حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول “أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُني” وأقارنه مع حاله يوم دخل مكة فاتحًا مطأطئاً رأسه، وكم من السنوات بين الموقفين.
“أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُني” جملة قد يظن البعض أنها خرجت من ضعفٍ وقلة حيلة، كيف وفي الصحيحين يناديه ملك الجبال: “يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بأَمْرِكَ، فَما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا”. فهل هذا ضعف؟ ولكنها حقيقة الرسالة المحمدية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيراً).
“أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُني” محمد أشرف الخلق يبحث عن رجل بين القبائل لينصره، فماذا حملك يارسول الله على ذلك؟
الجواب في سياق الكلام فالهدف واضح وإذا اتضحت أهداف المرء لا يهم كيف يصل، المهم الوصول
لـ” أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” فقط لا أريد استرداد ألقابٍ، ولا أوصافٍ، ولا أبتغي مالاً ولا جاهاً ولا منصباً ولا مكانًا، فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد.
ولكن “إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي” وهذه جملة أخرى تبعث في النفوس التفاؤل والأمل، وأن المنع لن يطول فما بينهما أقل من عشرين عاماً فقط.
“فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي” أسلوب للتعامل عند اختلاف المبادئ والآراء، جملة تدون في قواميس الأخلاق، فالموقف ليس موقف تلميع نفس وانتقاص آخر كما فعلوا معه، ويتغير كما تغيروا من صادق أمين إلى ساحر مجنون أو شاعر كذاب.
وعلى أي حال: نحن نعيش في عصر التقنية فلتكن هي الرجل الذي يحملنا لنبلغ كلام ربنا بأجمل الأساليب وألطف العبارات بعيدًا عن حب الظهور وحظوظ النفوس.
همزة وصل:
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى:
لا تجالس عدوّك، فإنه يحفظ عليك سقطاتك ويماريك في صوابك.