لن أتكلم في مقالي هذا عن برالوالدين، وما رتب الشارع من الأجر العظيم، وأنه من أوجب الواجبات، وأنه سمة من سمات شريعتنا السمحة، لكنني سأتطرق إلى بعض الملاحظات في زيارة الأبناء لوالديهم أو أحدهما، وهم لا يعلمون أنهم قد يأثمون من حيث أرادوا الأجر، ويسيئون من حيث أرادوا الإحسان جهلًا منهم بآداب الزيارة.
ومن الأمثلة على تلك الملاحظات:-
⁃ أن يدخل كمفتش ورقيب عتيد لماذا هذا هنا وهذا هناك وضعوا هذا وسوو وافعلوا، ويصدر الأوامر والنواهي ثم يغادر ويترك غصة في صدر هذا العجوز مما تلقاه من نقد وتقريع أحيانًا وتوجيه، وهذا الابن يعتقد أنه يحسن ويساهم بحسن التنظيم والترتيب، ويحضرني قصة جميلة لامرأة توفي زوجها فتركت ثوبه معلقًا كما كان وتضع فيه النقود، وكلما احتاج الأولاد لمال قالت خذوا من ثوب أبيكم، هذا الثوب لن يسلم من المفتش لو رآه لأنه في نظره يبعث الأحزان، ويذكر بالمتوفى فيما تراه المرأة وأولادها ربطًا ووفاءً ودعاءً.
⁃ أن يدخل ويطوف بالبيت، ويردد التحية الروتينية ثم يغادر في زيارة خاطفة لا يتمكن الوالدان من الحديث معه بما يحتاجون أو يهمهما بشيء.
⁃ أن يدخل بهمومٍ يحملها على عاتقه كالجبال ثم يلقيها عى صدر والديه، ويخرج ويتركهما في هم وغم من هذه الهموم؛ فلا يطيب لهم عيش ولا يهدأ لهم بال فيما هو يغادر، ويمارس حياته الطبيعية دون شعوره بسوء صنيعه، وأحيانًا ويكثر هذا من البنات مع الأمهات في الزيارة أو بالاتصال الهاتفي تسرد مادار مع زوجها من نقاش، وأحيانًا خصام يحدث في أغلب البيوت أو كلها ثم هي بعد هذا تمارس حياتها الطبيعية وأمها تتقلب في الهم والغم والخوف على ابنتها.
⁃ وأحيانًا وكالة أنباء متنقلة للأخبار السيئة والكئيبة فلان مات وفلانة تطلقت، وذاك مرقد بالعناية وذاك احترق بيته، وذاك مات وحيدة، وبعض البنات حين تذكر هذه الأحداث تضيف أن أم زميلتها التي ماتت أصغر منك يا أمي، وهي تنكاء جرحًا تريد العجوز نسيانه.
⁃ أن يجعل من الزيارة وقتًا مستقطعًا للراحة والسكون، وتصفح الصحف والتنقل بين المواقع الإلكترونية على جواله ثم ينصرف دون أن ينبس ببنت شفة غير السلام والوداع، واحتساء ما تيسر من المشروبات؛ وكأنه على مقهى.
هذه بعض من الملاحظات وإن كان غيرها كثير مما لا يتسع المجال لذكره أو تنطبق على حالات دون غيرها؛ لذا فإني أهمس بأذن كل من أراد البر أن يتذكر أن هذه الزيارة هي لباب من أبواب الجنة فليحسن الأدب، ويقتنص الحسنات فيوشك هذا الباب أن يغلق.
يعطيك العافية
شخصت الداء وليتك ذكرت الدواء
كيف تبر والديك في الزيارة .