علاقة رئيس روسيا فلادميربوتين بأمريكا علاقة غير عادية فقد كان رجل KGB جهاز الاستخبارات السوفيتي وعايش تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو لا ينسى دور الولايات المتحدة الامريكية في ذلك، ولما ورثت روسيا الاتحاد السوفيتي اضطلعت بدوره العالمي، واحتفظت بالترسانة النووية السوفيتية، ولكنها أضعف من أن تنافس أمريكا أو تتقاسم معها الأدوار العالمية والنفوذ؛ فحافظت على مكانة متوازنة بين التنسيق والقبول كرهًا والمناورات السياسية، وفي نفس الوقت كانت تقوم ببناء قوتها الاقتصادية والعسكرية لتسترد مكانتها.
والرئيس الروسي بوتين قبل أيام صرّح بأن الولايات المتحدة تخطئ إذا ظنت أنها “قوية بما يكفي” للإفلات من عاقبة تهديد الدول الأخرى، وأن ذلك الخطأ أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. هذا التصريح لا يخلو من تهديد مبطن أو شماتة وتشفيًا بحال أمريكا فهل أصبحت روسيا قادرة لتهديد أمريكا أو الشماتة بها، وهل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت عصر الضعف كما يقول ابن خلدون أن الدول مثل الكائن الحي يولد وينمو ثُمَّ يهرم ليفنى فلها عمر مثلها مثل الكائن الحي تمامًا، بمعنى أنها تُولد صغيرة ثم تكبر حتى تصبح قوية فتية ثم تضعف وتهرم فتموت. ويرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت مرحلة الضعف، وانحناء المسار بعد أن كانت متربعة على عرش العالم متفردة بالقوة العظمى فيه وأن جائحة كورونا قد كشفت هذا الضعف وعجّلت به.
فيما يرى آخرون أن أمريكا لازالت تنفرد بمركز القيادة والقوة، وبمسافة كافية بينها وبين بقية الدول، وأولها روسيا والصين.
وبعيدًا عن هذا وذاك فإن الرئيس بوتين، وهو الذي يتمنى الثأر من أمريكا وإن أظهر الدبلوماسية والكياسة في تصريحه يعلن عصرًا جديدًا من التحولات العالمية بعد كورونا ستأخذ عقدًا من الزمن أو عقدين ليتبين الترتيب الجديد لدول العالم، وهو مادفع الدول الغربية (مجموعة السبع) بقيادة أمريكا أن تتناقش في كيف توقف النمو الصيني المذهل في مؤتمرها الأخير ببريطانيا، وقد علقت السفارة الصينية بلندن على هذا الاجتماع [بأن الأيام التي كانت تقرر فيها مجموعة “صغيرة” من الدول مصير العالم قد ولت منذ فترة طويلة وبدون رجعة]. وإذا ربطنا هذا التعليق بتصريح الرئيس بوتين، واجتماع الدول السبع؛ فهل نشهد عودة الحلف الشرقي بقيادة الصين وروسيا والغربي بقيادة أمريكا مرة أخرى أم أن الوقت لازال مبكرًا لتحديد من يتسنم قيادة العالم.
والسؤال أين سيكون موقع الدول العربية في هذا الترتيب باستثناء السعودية ومصر والإمارات اللاتي وضعن خططًا استراتيجية لمواكبة التحولات العالمية؛ فإن أغلب الدول العربية غارقة في مشاكلها وهمومها الداخلية.