نقلة نوعية نحو تحقيق برنامج “المملكة الخضراء”
مبادرة “أُخضِّر مكَّة”، التي أعلنها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس هيئة تطوير المنطقة، وفارس الإبداع والابتكار، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مؤخرًا، تُسجّل بمدادٍ من ذهب في سجل مبادرات سموّه الطموحة، وتٌمثِّل أنموذجًا حيًا لفكر سموه الثاقب وإبداعاته وإشراقته، التي ظل سموه الكريم يتحف بها هذه المنطقة وسكانها من وقت لآخر، خاصة وأن هذه “المبادرة” الجديدة، تصبُّ في هدف تحقيق شعار سموّه: (بناء الإنسان.. وتنمية المكان)، من ناحية، وتُسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030، وبرنامج المملكة الخضراء من ناحية أخرى، كما تهدف للتوسع في المسطحات الخضراء بالمنطقة، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي الطبيعي في المنطقة وتنميته، وتطوير المتنزهات الوطنية، وذلك بالاستغلال الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية المتاحة، والحد من التصحر وانجراف التربة وزحف الرمال، والمساهمة في التكيف مع التغير المناخي.
وقد تمّ إنزال هذه “المبادرة” الطموحة لأرض الواقع، وإدخالها حيز التنفيذ الفعلي، وذلك بتوقيع اتفاقيتي تفاهم بين هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة ومع كلٍّ من جامعة الملك عبدالعزيز، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، لتعزيز التعاون في جوانب تطوير واستثمار المتنزهات الوطنية، وتقديم الدراسات الاستشارات الفنية والتوجيه؛ حيث سيتم الاعتماد عليها في دائرة اتخاذ القرارات التنفيذية والتشغيلية، لتحقيق مستهدفات تنمية الغطاء النباتي بالتنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة، مع مراعاة الاعتبارات البيئية، وتوفير مصادر المياه ودراسات التربة والأودية، لتشهد هذه المدينة المقدسة المزيد من المشروعات الجديدة، التي تمضي بها قُدمًا إلى مرحلة ذكية وعصرية من جميع النواحي، وفي المجال البيئي على وجه الخصوص، وبتسخير أحدث التقنيات ذات المعايير العالمية، والتي تُواكب العصر وتتماشى مع روحه.
وبحكم تخصصي واهتماماتي ومجالات عملي، فأودّ أن أُشير إلى أن هذه “مبادرة أُخضِّر مكَّة”، تُعتبر حلقة في سلسلة من المبادرات البيئية المتميزة التي انطلقت منذ عدّة سنوات، والتي منها مبادرة (مخيم الحج الأخضر) والذي بدأت فكرتها في العام 1431هـ، لتدخل حيز التطبيق في موسم حج عام 1432هـ بمخيمات الحجاج بمشعر “منى”، بإشراف معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة بجامعة أم القرى، وبالتعاون مع عدد من الجهات المنظمة، وذلك للحد من التأثيرات السلبية على بيئة المشاعر المقدسة، وتطوير إدارة النفايات الصلبة بمشعر “منى”، من خلال البحث عن طرق جديدة لإدارة النفايات الصلبة بالطرق البيئية، التي تتلاءم مع قدسية المكان والزمان، وليتم تنفيذ المرحلة الثانية من هذا “المشروع” خلال موسم حج عام 1437هـ؛ حيث تم التوسع هذه المبادرات لتصبح (4) مبادرات، أسهمت في تحقيق مفهوم (مخيم الحج الأخضر) مرحليًا، كما تمّ التوسع في تطبيق هذا المشروع في حج العام 1440هـ، ليشمل مؤسسات حجاج الداخل، مع إعداد: “دليل إجرائي” لتطبيقها، هذا بالإضافة إلى تأهيل مقدمي هذه الخدمة لتنفيذ المشروع بالصورة المُثلى المطلوبة وتقويمهم.
ومنها كذلك، مبادرة: (إنشاء مدينة خضراء بالكامل في مكة المكرمة)، التي أعلنتها أمانة العاصمة المقدسة في بداية عام 1435هـ، بالتعاون مع جامعة “كاوست”، وبالتواصل مع بعض مراكز الخبرة العالمية، والتي تقع على مساحة 136 مليون متر مربع، ووضعت “الأمانة” شروطها ومواصفاتها لتكون قادرة على استيعاب ما يتراوح بين 250 و500 ألف نسمة – وفق التقديرات الأولية -، مع دعوة الشركات المختصة في الطاقة المتجدِّدة للتأهيل؛ حيث تعمل بالكامل بالطاقة المتجددة، ولم يُعتمد فيها على أي نوع من مصادر الطاقة التقليدية، وذلك من منطلق أن الموقع الحيوي المُخصّص لهذه المدينة الخضراء المُقترحة، يؤهلها للاستفادة من مصادر الحرارة والرياح، وأيضًا الحرارة العميقة الموجودة في باطن الأرض.
من هذه المبادرات البيئية المتميزة أيضًا، مبادرة (مكة الخضراء)، التي انطلقت في عام 1441هـ، لتحقيق المزيد من الاهتمام ببيئة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتوفير بيئة نظيفة وآمنة فيهما.
كما لابد لي من أن أُثمّن عاليًا، بعض المبادرات التطوعية الخاصة بمجالات البيئة بصفة عامّة، وبدعم مبادرات تحويل العاصمة المقدسة لبقعة خضراء مزهرة، والتي منها قيام جمعية أم القرى الخيرية – ومن باب التطوع ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية -، بوضع خطة مستقبلية لمبادرة تُسمى: (لنزهرها)، لتشجير شوارع وحدائق هذه البقعة المباركة وتنسيقها، وذلك من خلال اللجان التطوعية، وبالتعاون مع أمانة العاصمة المقدسة، وكذلك من هذه المبادرات (رابطة مكة الخضراء)، @Green_Makkah، وهي رابطة تطوعية شبابية، هدفها زيادة المناطق الخضراء في مكة المكرمة، وتهدف لتحويلها إلى مدينة خضراء، والتي من أبرز جهودها، تنظيم لعدد من الفعاليات الزراعية وورش العمل.
جميع هذه المبادرات والجهود، تهدف لتحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030، التي تسعى إلى تحقيق استدامة بيئية ومستويات متقدمة في السلامة البيئية والصحية، وذلك في محور مجتمع حيوي، ينعم أفراده بنمط حياة صحّي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة، وقد نصت على: “إن الحفاظ على بيئتنا ومقدراتنا الطبيعية، يعدّ من واجبنا دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا، ومن مسؤولياتنا تجاه الأجيال القادمة، ومن المقومات الأساسية لجودة حياتنا، لذلك، سنعمل على الحد من التلوث، برفع كفاءة إدارة المخلفات، والحد من التلوث بمختلف أنواعه، كما سنقاوم ظاهرة التصحر، وسنعمل على الاستثمار الأمثل لثرواتنا المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، وسنؤسس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات، وسنعمل على حماية الشواطئ والمحميات والجزر وتهيئتها، بما يمكن الجميع من الاستمتاع بها، وذلك من خلال مشروعات تموّلها الصناديق الحكومية والقطاع الخاص”.
وفق الله سبحانه تعالى القائمين على هذه الجهود، وكلل مساعيهم بالتوفيق والسداد،،،
————————————
* عميد معهد البحوث والدراسات الاستشارية بالإنابة.
* أستاذ مساعد الهندسة البيئة والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية.
* مستشار مركز إدارة المخاطر والأزمات (سيف)، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.