أطلعني أحد الأصدقاء على خطة إستراتيجية للجهة التي يتولى قيادتها؛ فأبهرني روعة التصميم للعرض الذي قدمت به، مستفيدًا من الإمكانات الحاسوبية ومهارته بها، وبعد أن انتهى من عرضه؛ أعدتُ قراءة المحتوى للخطة -باعتبار أني متخصص أكاديميًا في ذلك- فشعرت بغصة كبيرة وحيرة، فماذا سأقول لهذا الصديق متوهم العلم بالتخطيط الإستراتيجي، كيف أصارحه بأن ما أنجزه يفتقد لأبسط مقومات الخطة الإستراتيجية، وهو الذي يحدثني بثقة عن تحليل (SWOT) والقيم والرؤية والرسالة والأهداف، هل أصارحه بأن ما أنجزه لا يمكن قبوله كواجب بسيط في مقرر لمرحلة البكالوريوس، أم أبين له أن الخطة الإستراتيجية ليست مجرد عبارات تصف أسفل العناوين المعتادة في التخطيط الإستراتيجي، ترددتُ كثيرًا، لكني استحضرت شجاعتي فألمحت له بلطف؛ فانبرى منافحًا عن خطته -المتميزة في نظره- مظهرًا أعتى أسلحة المقاومة؛ فآثرت الانسحاب حفاظًا على الصداقة، خاصة وأنه لم يطلب رأيي كخبير، هذه ليست المرة الأولى التي أطلع على خطط إستراتيجية في رأي من يعدها، لذا فضّلت أن أكتب هنا، لعلي أضيء شمعة لمن يريد الاهتداء بالعلم، فالتخطيط الإستراتيجي علم مستقل وهو بعيد عن التخطيط الطويل، وإن تداخل معه في بعض الأجزاء، إلا أن مفهومه الدقيق يفصله عن التخطيط الطويل كمفهوم عام، فهو يمتاز بالترابط بين الأجزاء التي تُولد بعضها بعضًا، وتُشكل بعضها بعضًا، منطلقة من المفهوم الدقيق للرؤية، في أين نحن الآن؟ وماهي صورتنا في المستقبل التي نسعى لها؟ ثم الإجابة على السؤال كيف نسعى لتلك الصورة المستقبلية؟ وليست الهدف المحدد الذي سنصل إليه، من خلال تحليل الواقع بأكثر من أسلوب التي أشهرها(SWOT) ثم بناء الأهداف، وصياغتها كأهداف إستراتيجية، يولد منها بعد ذلك التنفيذية، والتشغيلية، وعلاقة القيم بالمنظمة والرؤية والرسالة، لن أستفيض في ذلك لكني سأعود إلى حالة يمكن ملاحظتها في أغلب المجالات، وهي توهم العلم وتحويل الفهم الخاص وأحيانًا السطحي إلى تنظير يظن أنه علمي، وغياب للمحك الذي من شأنه يمكن الحكم على ذلك العمل، وفق أدوات قياس تتسم بالصدق، هذه الحالة أقابلها أيضًا عند بعض الباحثين في بداية مشوارهم في البحث العلمي، متوهمين العلم فيتحدثون بثقة عالية، متكئين على قناعاتهم الشخصية التي يكتشفون عورها لاحقًا، عندما يقدمون خططهم البحثية للجان العلمية، فيتهمون أعضاء اللجنة بقصور الفهم، لينكشف لهم في مرحلة متأخرة أنهم كانوا يُعانون من توهم العلم، لكن الأبحاث العلمية تخضع للتحكيم العلمي، الذي يُعيدها إلى المسار الصحيح، لكن ما يقدم من خطط على أنها إستراتيجية -في حالات عديدة- لا تمر بمرحلة تحكيم علمي، وربما تُعرض على صاحب قرار فهمه للتخطيط الإستراتيجي ليس ببعيد عن فهم معد الخطة؛ يبهره الإخراج الفني البديع، فيصفق لتلك الخطة الإستراتيجية، من حيث الشكل لا المضمون ولا للمحتوى المبني بطريقة علمية.
ختامًا الاعتماد على العلم يمكننا من تطوير منتجاتنا، ومهاراتنا ومعارفنا، ويسهم في تقليل توهم العلم، أما إذا أصرينا على تقديم فهمنا الخاص على العلم فمن الأفضل إلغاء التخصصات العلمية في الجامعات، أو حتى إقفال الجامعات فلسنا بحاجة العلم؛ فقناعتنا الشخصية تكفينا!
شكرا دكتور على هذه المقالة التخصصية الاكثر من رائعة. نعم اتفق مع سعادتكم ان بعض المسؤولين يعتقدون انهم يستطيعون ان يمارسوا دور المتخصصين لمجرد انهم تعلموا بعض المصطلحات وهم لا شك انهم لا يعلمون ولا يعلمون انهم لا يعلمون. هذه النوعية للاسف تعتبرك عدوها الاول ان حاولت نصحهم.
شكرا دكتور واطمع في مقالة توعوية اخرى.
قد يكون هذا اجتهاداً من هذا المسؤول في وضع خطته….
هناك مسؤولين اخرين يوكلون هذه الامور الى بعض موظفيهم المجتهدين ممن يحملون الثانوية أو ما يعادلها ويكتفون بالمراجعة اللغوية لها…
الله يرحم الحال في ضل العمل الروتيني والاجتهادات الشخصية الفردية….
جميل
فعلا الكثير يظنون انهم يعلمون ويطبقون لكنهم لا يعلمون انهم لا يعلمون..
في النهايه المهم الانجاز
كلام جميل ومفيد يادكتور مفرح
اي خطة استراتيجية لا يشارك فيها فريق العمل تفشل لان فريق العمل يعد ركزيه أساسية بالأعدادوالتنفيذ ويكون معد الخطة الاستراتيجية جهة مختصه ومعتمدة ولها أعمال سابقه
من الغريب جداً أن يعد شخص خطةً يظنها استراتيجية ولايقبل النقد وهو اقل مقومات أي عمل، والمدهش ايضاً أنه في منصب قيادي!
متميز كعادتك أخي مفرح?
شكرا لك دكتور اثريت معرفتنا كالعادة نفع الله بعلمك ورفع قدرك.