في مطلع هذا الأسبوع حظيت بصحبة الشيخ غرم بن خضران الصغيّر ورجل الأعمال الشيخ عبد الله بن سعيد آل بكيم بزيارة للشاعر سعود بن سحبان والد الأخ الدكتور الشاعر عبد الواحد بن سعود الزهراني عميد معهد الدراسات والخدمات الاستشارية بجامعة الباحة حيث اطمأننا على صحة والده الذي يرقد على السرير الأبيض بمنزله في مسقط رأسه بقبيلة بالخزمر شفاه الله وعافاه ورزق أبناؤه برّه ، في أثناء عودتنا لفت انتباهنا مدخل مباني على طراز البناء القديم في منطقة الباحة ومدرجات ولوحة تشير إلى الاتجاه نحو ” متحف الديرة ” حيث اتجهنا لهذا المتحف وكان في استقبالنا الشاب محمد بن سالم الزهراني المشرف على المتحف الذي رحب بنا بعبارات معهودة في المنطقة وسمح لنا بجولة في قاعات العرض التي تصدر إحداها صور قادة المملكة من عهد المؤسس حتى عهد سلمان الحزم ، كانت معروضات المتحف مرتبة ترتيبا منطقيا في طريقة عرض مقتنياته التي جمعت في بعضها بين الماضي الذي يضرب تاريخه جذور تاريخ المكان والإنسان في هذه المنطقة وفي القرى المحيطة به بدءا من قرية السرفة التي يقع فيها هذا المتحف ويتكئ على جبل تتناثر على جنباته أشجار التين الشوكي المثمرة وبعض الشجيرات الخضراء المحفوفة بالعشب الأخضر الذي تظلله حينها غيمة توحي بسقوط المطر الذي شهدته المنطقة خلال الأيام الماضية في أجواء استعادت للباحة جمال شتائها الذي يتصف بكثافة الضباب والبرودة في ظاهرة لم تحدث من عشرات السنين في وقت الصيف مما زاد المنطقة إقبالا من السياح الذين انتشروا في غاباتها ومنتزهاتها في بلاد غامد وزهران .
اعود لموضوع المتاحف والحقيقة أن متحف الديرة الواقع بالقرب من الطريق السياحي يقع في قاعتين جمع فيها صاحب المتحف المواطن سالم الزهراني من أهالي قرية السرفة عشرات أنواع المقتنيات القديمة لإنسان وبيئة المنطقة في مجالات الزراعة والحرف اليدوية والحلي والملابس والأسلحة وبعض المصنوعات الخشبية والفخارية وبعض الأجهزة ذات العلاقة بالتواصل البشري إلى جانب أن المتحف التراثي يضم حسب البرشور المنشور مجلس ضيافة يطل على الوادي الأخضر وبعض المزارع والبساتين كما يشد الزائر بعض المدرجات الزراعية والشلالات الصناعية وبه بوفية وممكن تقديم أكلات شعبية ويقدم للزائر بعض المبيعات والتذكارات إلى جانب إمكانية التصوير في إحدى قاعات المتحف وتسليمها عبر الواتس على رقم الزائر إن رغب ذلك كما يجري بناء مقر خاص بالمرأة يجمع مقتنيات أخرى وبعض الخدمات الخاصة .
نعود مرة ثانية لمتاحف منطقة الباحة انطلاقا من المتحف العام مرورا بالمتاحف الخاصة وفي طليعتها متاحف قديمة كمتحف عبد الله رافع بالفرعة في محافظة بني حسن كذلك متحف سعيد عمر بوادي الصدر ومتحف الأخوين بقرية الملد بجوار حصنيها الشهيرين ومتحف بن مصبح بمحافظة بالجرشي ومتحف بادية غامد التراثي بمحافظة العقيق لصاحبته صالحة بنت بسيس الغامدي ومتحف للمواطن سعيد بن ناصر الغامدي في نفس المحافظة تم بناء مقره على طراز مباني المنطقة بالحجارة وبالطراز المعماري القديم ومتحف ناصر الفيّان بالأطاولة محافظة القرى الذي جمع فيه قرابة عشرة آلاف قطعة أثرية وحظي بزيارة آلاف الزوار خلال مسيرته وبالتأكيد هناك متاحف أخرى منتشرة في محافظات المنطقة تلقى تشجيعا ودعما من سمو أمير المنطقة الذي يوجه بالمحافظة على تراث وموروث المنطقة في سبيل دعم السياحة الداخلية من خلال عرض كل ما يجسد اهتمام سكان المنطقة في الماضي ما يسد احتياجاتهم من صنع أيديهم ذكورا وإناثا قبل أن تشهد التطورات المتلاحقة في العهد السعودي الزاهر الذي جعل من هذه المعروضات مادة دسمة وإعلامية لمعرفة ما كان عليه الآباء والأجداد في الزمن الماضي .
يبقى السؤال معلقا نتطلع إلى الإجابة عليه من الجهة ذات العلاقة عن المتحف العام الذي وحسب علمي وما تم نشره في سنوات خلت بأن هناك مشروعا للمتحف العام تم اعتماد مبلغ يقارب من خمسة وثلاثين مليون ريال تقريبا لإنشائه بعد ان تم تحديد موقعه حينها بالقرب من غابة رغدان ليجمع شتات هذا التراث تحت سقف واحد بطريقة عصرية ومنظمة ليكون وجهة سياحية يطلع من خلالها السياح على تاريخ المنطقة وتراثها القديم سواء مما تجمع الجهة المعنية بالشراء أو بالإهداء وكنت قد طالبت في مقال سابق بجمع شتات هذه المتاحف الخاصة من خلال شرائها من أصحابها لأن بعضهم أقامه على حسابه الخاص وربما بواسطة الاقتراض الشخصي بسبب حبه للتراث وجمعه من عشرات السنين ورأى أنه يخدم المنطقة من خلال هذه المتاحف التي ربما لا تخضع لتنظيم معين بقدر ما تخضع لاجتهادات أصحابها سواء في طريقة العرض أو في تحديد رسوم رمزية على زائريها ربما لا تفي بما تم إعدادها وبناء مقرات لها فضلا عن شراء بعض مقتنياتها ربما بمبالغ مرهقة لدخولهم ونتمنى أن نرى هذا المشروع قريبا ليكون ضمن مدخلات السياحة في المنطقة .
انعطاف قلم :
لقد شكلت جائحة كورونا وعيا قسريا بتحجيم حفلات الزواج إلى حضور أربعين شخصا لأسرتي العرسان مناصفة بين الرجال والنساء مما خفف على الشاب تكاليف حفل الزواج وقد سبق أن تم تحديد المهور في اتفاقيات قبلية تم مباركتها وتصديقها من جهات الاختصاص والسؤال هنا : هل سنستمر بوعي نابع من قناعة بأن هذا سوف يحد من المبالغات في مصاريف الزواج التي كانت ترهق الشاب وتحيله إلى حصالة لبعض البنوك من خلال القروض التي قد تصل مدة تسديدها لسنوات عدّة ؟ عسى أن نرى اتفاقيات جديدة تؤكد الوعي ولتحديد المهور من جديد مذيلة بتحديد عدد الحضور في حفل الزواج كما هو عليه الحال اليوم . والله من وراء القصد .