“إن الكتاب وهو ملقى على الرف أشبه بالجسم الميت، تدب فيه الحياة إذا ما امتدت إليه يد القارئ” سارتر
مؤخراً انقلبت حال الكتب من مصادر تنمية عقلية وفكرية وروحية إلى أشكال جمالية ينتهي وجودها بنهاية المشهد، لتزدان بها الأرفف الفارغة، وخلفية جميلة للمتحدثين، ومادة من ضمن مواد منتجة لذلك الحدث، وبهذا قد تلوح فرصة لملاك المكتبات المنزلية أن يضفوا عليها لمسات تحسين متواضعة ويصنع منها مشروع للاستثمار من خلال تأجيرها بالساعة على من لديه لقاء مباشر أو دورة عبر الزوم أو أحد وسائل التواصل.
ليست مزحة بل ربما يجني منها الكثير، وخاصة مع تزايد الاحتياج لها كخلفية جميلة تطبع للمستمع والمشاهد الكثير من الأساطير حول المتكلم، وذلك الكم الهائل من الكتب، وحتى مع تطور التقنية وخلق الخيال الممكن في تلك الصور بتلك البرامج المتطورة في هذا الصدد إلا أن واقعية تلك الصورة أقرب وأصدق وأجمل.
وفق إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، وتقارير مؤسسة الفكر العربي، وبعض المنظمات المهتمة بهذا الجانب، والمقارنة “الأزلية” بين الشرق والغرب فقد تحتاج في نهاية ذلك التقرير إلي يمين مغلظة على صحته، فالأرقام فيه صادمة حد الجنون، ولو لا تذييلها بأسماء تلك المنظمات لم تحظى بالتصديق، إذ لا يعقل أن يكون متوسط زمن القراءة في الوطن العربي سنويا هو 6 دقائق فقط في حين أن دول أوروبا لا يقل المتوسط عن 200 ساعة في السنة، وبحساب الكتب هناك 30كتاب لكل مليون عربي، مقابل 854 كتاب لكل مليون أوروبي، وبحساب الصفحات فلدينا ربع صفحة سنويا مقابل 11 كتاب للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية.
وصدمة أخرى ولكن في صفوف الأطفال وواقعهم الفكري، فمتوسط القراءة لدينا بضع دقائق مقابل 12 ألف دقيقة سنوياً لدى أطفال العالم الغربي.
الجميل في الأمر أن كل تلك الدراسات تعتبر قديمة فبعضها مضى عليه أكثر من 7 سنوات، وربما تغير واقعنا من ذلك الحين إلى اليوم، ولبعث الفائل فلا نحتاج لطرح دراسات حديثة، وسنعيش على أننا تطورنا بما يكفي، ولا حاجة للوقوف على الواقع، والذي ربما يكون أكثر سواداً لا سمح الله.
كان تصوير سارتر لذلك الكتاب القابع على الرف وبلا عين تقرأ وعقل يعي هو أشبه بميت لا حياة فيه، وهو يوحي بطريق أو بآخر إلى أن حياة ذلك المقروء تكون بنفث الروح من خلال عكس عقولنا وأفهمانا في سطوره، ووجوده بدون ذلك الانعكاس عَدَمٌ أقرب أليه من الوجود.
ولكل مشكلة حل، ومع كل معضلة تسوية تكسر الغل، وستبقى محل البحث وعنوان الدراسات ولعل القدر يمنحنا معجزة تصحح ذلك الحال.
أخيراً …. قبل أن يزدان به مكتبك حاول أن تجمّل به وعيك وفكرك، وقبل أن تراه بعض أثاثك هو في الحقيقة بعض حياتك.