لقد أثبت التاريخ أن المسلمين منذ فجر الإسلام عاشو ا مع غيرهم دون ضرر ولاضرار، وذلك أن رسالتهم جاءت رحمة للعالمين ، فمن هذا المنطلق دخل الناس في دين الله أفواجًا .
ولما حارب الإسلام القوميات والعصبيات وآخى بين المسلمين أخوة صادقة منبعها الخضوع والانقياد والطاعة لله رب العالمين، الذي خلق الكون جميعا، توحدت صفوفهم ، وصفت نفوسهم ، واطمانت قلوبهم ، وانشرحت صدورهم ، فالقوي مع الضعيف ، والغني مع الفقير ، والقريب مع البعيد ، هم جميعا شكلوا المجتمع المسلم الذي ضرب به المثل في التعامل والتعاون مع بعضهم البعض ، ومع غيرهم .
ولكن بعض المجتمعات التي اعتنقت الإسلام لم ترض بذلك لأنها في السابق كانت تملك سيطرة على غيرها بالاستعباد والقتل كالمجتمع الفارسي ، فأرادت إحياء طقوسها التي دفنها الإسلام ، فكان الطريق إلى ذلك السعي إلى تفكيك وحدة المسلمين من خلال عقيدتهم بالتشيع.
ووصل الأمر في هذه الأيام إلى منتهى الخطورة بظهور الخميني مع ثورته المزعومة في إيران ١٩٧٩م بعد عودته من فرنسا ، فهدفه الوحيد توزيع المد الصفوي إلى العالم مستعملا ثورته في تصديره كي يعيد الإمبراطورية الفارسية ، ففتحت الحوزات الدينية الشيعية في إيران لاستقدام ابناء المسلمين إليها لدراسة عقيدة التدمير والتخريب عند عودتهم إلى بلدانهم .
رأينا كيف جهز الخميني نفسه لخوض معركته في العراق مع صدام حسين كل ذلك تهيئة له من قبل الغرب للاستيلاء على العراق لتقاسم المصالح فيما بينهم ، وفعلا تحقق ذلك ، فإيران هي من استخبرت وزورت بالمعلومات الكاذبة أمام الغرب على أن العراق تملك أسلحة الدمار الشامل كذبا وعدوانا ، فقادت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الغزو العراقي ٢٠٠٣م فسقطت بغداد ، وسلمت الولايات المتحدة الامريكبة العراق لإيران لتكون العراق مقاطعة من مقاطعات إيران ، فأصبح الملالي ومريديه من يديرونها بمليشياته في تدنيس العراق وتوزيع الإرهاب فيها ، فتحولت من الوئام إلى الفرقة والخلاف بسبب إيران بعد التعاون الامريكي معها .
وفي أفغانستان أمرها ليس ببعيد وذلك عندما كانت تخوض حربا مع روسيا سنوات باسم الجهاد الافغاني ، ووقفت الولايات المتحدة ضد روسيا مستخدمة المجاهدين بدعمهم السلاح والمال ، فبعد الانتصار من هنا خرجت طالبان للاستيلاء على الحكم ، فشوهت طالبان سمعة الإسلام بقتل الابرياء والاعتداء على النساء ، ووقعت حادثة ١١ من سبتمبر ٢٠٠١م التي أسقطت برج المركز التجاري الدولي في نيويورك ، وكان المتهمون جلهم في أفغانستان وعلى رأسهم أسامة بن لادن ، وامتنعت طالبان عن تسليم المطلوبين للولايات المتحدة زعمت الولايات المتحدة انها تقف ضد طالبان ،فوقع الغزو الأفغاني ، وخرجت طالبان من ساحة الحكم في أفغانستان ، وفتحت معتقل غوانتانامو وتم نقل الكثير منهم إليها ، وبقيت القوات الامريكية فيها ، ولم يكن لطالبان صوت يسمع ، وها نحن اليوم نفاجأ بالتحول السريع لطالبان والعودة إلى أفغانستان في وسط النهار دون مقاومة ، لامن القوات الأمريكية ، ولامن القوات الأفغانية ، ففر الرئيس الافغاني أشرف غني إلى مكان مجهول خارج أفغانستان ، والأمور بيد العصابة الإجرامية الإرهابية طالبان ، فوقفت الجماعات الارهابية بكاملها راقصة بانتصار طالبان لتتولى إمارة التدمير والتخريب .
ومما يضحك في الأمر ان الرئيس الأمريكي بايدين يبرر موقفه تجاه الحادثة ويلقي اللوم على الجيش الأفغاني عدم مقاومته لطالبان مع أنه كان يملك الزاد والعتاد .
فأين وجد طالبان الاسلحة التي دخلت معها إلى العاصمة كابل ؟ وأين كانت طالبان في العشرين سنة الماضية ؟ فلماذا استسلم الرئيس ؟
هذه الأسئلة إجابتها من الإدارة الاميركية!
ويبقى المجتمع الدولي كذلك بتوصية طالبان بضبط النفس للحفاظ على الأمن والأمان ، دون تقديم المزيد من الإدانة وفرض عقوبات شديدة على العصابة .
ألم يقل المجتمع الدولي أن الإرهاب عدو للإنسانية ؟ هل يمكن لعصابة إرهابية أن تحافظ على الامن والاستقرار وهو من يهددهما ؟
احتلال بغداد كان في وسط النهار ، واحتلال كابل في وسط النهار ، طبخة واحدة في مطبخ واحد ، الصفوييون طبقهم في العراق ، وطالبان في أفغانستان ، يلعبون ويأكلون ، والمسلمون جميعا في مشارق الأرض هم من يدفعون ثمن أعمال المجرمين المعتدين الآثمين .
الغرب مع المصالح هدف أساسي في سياسته لذا تعامل مع الكل ، وتجاهل على أن طالبان والصفويين تجار الارهاب والسعي إلى التدمير والتخريب .
————————-
إمام وخطيب المركز الثقافي الاسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا