“جامعة أم القرى”، هذه المؤسسة التعليمية الرائدة والصرح العلمي المرموق، الذي انطلقت مسيرته الأولى في عام 1369هـ، حينما أمر الملك المؤسس الباني عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – بتأسيس كلية الشريعة في مكة المكرمة؛ لتصبح أولى المؤسسات التعليمية الجامعية إنشاءً في البلاد، ونواة لجامعة “أم القرى”، والكلية الأم فيها، والذي مرَّ بعدة مراحل عند نشأته، إلى أن أمر جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز – يرحمه الله -، بقيام هذه الجامعة في عام 1401هـ، وانبثاق عدد من الكليات، التي تقدم مختلف الدراسات العلمية والأكاديمية، وتمنح درجات البكالوريوس والدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه في عدد من العلوم والتخصصات المختلفة والمتنوعة، يفخر ويعتز كثيرًا باحتضانه لـ “معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة”، الذي شهد تطوّرات مشهودة خلال مسيرته التي تمتد لعدة عقود، وذلك منذ تأسيسه في عام 1395هـ كوحدة بحثية بجامعة الملك عبدالعزيز، إلى أن أصبح مركزًا لأبحاث الحج في عام 1401هـ، وجهة استشارية فنية للجنة الحج العليا ولجميع الجهات العاملة في أبحاث الحج، مرورًا بصدور الموافقة السامية الكريمة بنقله إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1403هـ، وربطه بلجنة إشراف عليا ترأسها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا – رحمه الله -، وحتى صدور الموافقة السامية في العام 1418هـ بتغيير اسم المركز إلى معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، وصولًا بصدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس مجلس التعليم العالي – رحمه الله – في شهر صفر من عام 1433هـ الموافق لشهر يناير 2012م، على تغيير اسمه إلى: (معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة)، الأمر الذي يؤكِّد اهتمام قيادتنا الرشيدة وولاة أمرنا، بضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين وزوار لمسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحرصهم على تسخير جميع الإمكانات لهم لتأدية مناسكهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة، وذلك بتطوير الخدمات المؤدية لتيسير المناسك والعناية بالشعائر الدينية، وعن طريق تسخير البحث العلمي والدراسات الأكاديمية واتباع الأساليب العلمية الحديثة.
عبر مسيرته الطويلة، عكف “معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة”، على تنظيم العديد من الملتقيات العلمية، التي بلغت في مجملها (20) ملتقى، حظيت بدعم دائم من القيادة الحكيمة -أيّدها الله-، وذلك لكونها تُعتبر فرصًا سانحة للباحثين والمختصين لتقديم أفكار ودراسات علمية وابتكارات نوعية لتطوير منظومة الحج والعمرة وتسهيل رحلة ضيوف الرحمن، ومنصات ملائمة لعرض النتاج العلمي والإبداعي والابتكاري والريادي ونشره، تعزيز القيم البحثية والإبداعية والحلول الابتكارية، وإتاحة الفرصة للتنافس العلمي الشريف والعمل الجماعي، وبناء جسور التواصل العلمي، وزيادة الوعي بأهمية البحوث العلمية والإلمام بأدواته وأساليبه، وتنمية الحس العلمي وإبراز القدرات الفكرية والمهارية، وذلك في بيئات علمية تنافسية تُحفز الجميع على المشاركة.
ليمثل الملتقى العلمي الـ21، الذي تعتزم جامعة أم القرى – ممثَّلةً في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة -، تنظيمه تحت شعار: “التحوُّل الرقميُّ في منظومة الحج والعمرة والزيارة” في هذا العام 1443هـ، برعاية كريمة من لدن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، تحت شعار: “التحوُّل الرقميُّ في منظومة الحج والعمرة والزيارة”، خلقت مهمة من سلسلة هذه الملتقيات العلمية التي درج “المعهد” على تنظيمها وإقامتها في كل عام، والذي سيركز على تعزيز حوكمة التحوُّل الرقميّ في منظومة الحج والعمرة والزيارة، وذلك من خلال مناقشة التشريعات والأنظمة والبُنية التحتيِّة الرقميِّة المساعدة له، واستعراض دوره في الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية؛ إضافةً إلى توظيفه في تحسين تجربة ضيوف الرحمن، وتسهيل وصولهم للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فضلًا عن تكثيف تدريب الكفاءات في عمليات التحوُّل الرقميّ، وتطوير عمليات اتخاذ القرار، وتقديم الخدمات اللازمة؛ لتكون مبنيَّة على الرقمنة والأتمتة، وذلك لما يضمه هذا “الملتقى” من أوراق عمل وأوراق علمية للمشاركين من باحثي الجامعات والمعاهد والمراكز المختصة والمهتمين من القطاعات المختلفة، والتي تهدف لخدمة قطاعي الحج والعمرة، وفي الوقت نفسه تُثري تجارب ضيوف الرحمن، بينما يتم نشر جميع الأبحاث المقبولة في سجل الملتقى العلميّ، واختيار الأبحاث المميزة منها لإدراجها في الأعداد الخاصة بمجلات الجامعة العلمية، مع تأكيدات المسؤولين، بأن هذا “الملتقى”، يُعدُّ فرصةً سانحةً للمهتمين والباحثين وأصحاب القرار، لتقديم الأبحاث المتعلقة بالحج والعمرة، وتبادل وجهات النظر حولها، وفق أحدث التقنيات والممارسات العلمية، بما يُسهِم في تطوير الخدمات المقدَّمة للحجاج والمعتمرين، مع حرص “الجامعة” على التعاون مع مختلف القطاعات، لتهيئة البُنية التحتية الملائمة للتحوُّل الرقميّ، والتوسع في تقديم خدماتها وأتمتة تعاملاتها، علاوةً على وضع الحلول التقنية الملائمة لمتطلبات التطور بما يوائم أهداف رؤية المملكة لبرنامج التحوُّل الوطنيّ.
هذا المحفل العلمي، يُعدُّ حلقة مهمة من سلسلة متصلة من سلسلة ملتقات “أم القرى” العلمية ممثلة في هذا “المعهد”، والتي انتهت بالملتقى العلمي الـ20 لأبحاث الحج والعمرة والزيارة، الذي تمّ تنظيمه في شهر جمادى الآخرة من العام المنصرم 1442هـ، تحت شعار “تحسين التجربة في رحلة الضيف”، ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله -، وافتتحه مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي خالد الفيصل، والذي استعرض فيه الباحثون، أهم مبادرات وبرامج الجهات الحكومية الهادفة لتيسير رحلة الحاج والمعتمر، ودعم قرارات تحسين خدمة ضيوف الرحمن، وتم فيه عرض نتائج الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بمقومات الارتقاء بتجربة رحلة الحاج والمعتمر، إضافةً إلى تسليط الضوء على أفضل الممارسات في إدارة الحشود للاستفادة منها وتعميمها، مع إيجاد قنوات تواصل فعالة بين الأطراف المعنية والقطاعات ذات العلاقة بخدمة ضيوف الرحمن، كما تضمن هذا “الملتقى”، استعراض قصة نجاح المملكة في التعامل مع “جائحة كورونا” وأثرها في رحلة الحج والعمرة.
والله ولي التوفيق،،،
—————————-
* أستاذ مساعد الهندسة البيئية والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى.