في حرارة الشمس أحمل معطفاً على يدي، والمارة يتهمونني بالجنون، وأهل القرية ينصفون، وقلْ هذا في مظلة جلدية فاخرة تزامنت مع صحو لا يوحي ببارقة القطر.
وبين الحمقى وأرباب الألباب نفق العين السحرية.
العين التي تبصّرك بالغد وتطلعك على مساء ذلك اليوم.
وهل يسعفك عقلك أن تكون كما يجب متى ينبغي؟
وكما قيل “الحكمة الحقيقية ليست في رؤية ما هو أمام عينك فحسب، بل هو التكهن بـ ماذا سيحدث بالمستقبل” غير أن “العقول مواهب والعلوم مكاسب” كما حكى سقراط.
كثيراً ما اتهمنا أحدهم بالغرابة، وربما بالجنون أحيانا، وليس لشيء، ولكن لأننا نرى بأعيننا ونتبّصر بعقولنا فقط، ولم نعلم أن لدى ذلك المجنون قوة إدراك صنعت معه ذلك الحدث الأغرب، وإلى جانب آلة العقل والبصر قالب التسيير والمباشرة، وهذا محل النزاع، ومكمن التفريق.
نوح عليه السلام لم يكن في نظر قومه إلا مجنون، والسبب ببساطة أن علمهم انتهى عن بداية علمه، وكل ما يعرفون انقطع قبل أن يصل لسحابة المعرفة الإلهية التي أمطرت روحه وقلبه وفكره، فصنع بها سفينة النجاة الوحيدة في هذ الكون، لتصبح معيار البقاء من عدمه، (لا عاصم اليوم من أمر الله) وبهذا أصبحت مادة السخرية بادئ الراي هي العصمة الوحيدة، وطريق الحياة الأوحد، فتدثر الجهل برداء الاستكبار ليصنع النهاية المحتومة لكل من جمع ذينك الشرين.
يمنعنا الجهل كثيراً، ويحرمنا قلة الوعي من تدبير أحوالنا، وليتنا نقف عند هذا، بل نصل لمرحلة من الإشفاق على أولئك الذين هبيناهم أقوام خَبِله، وندعو لهم بالصلاح، والحق أننا أولى بالدعاء، وأحق بالشفقة.
نعود إلى ما حكاه سقراط ونرى نتيجة اتحاد الموهبة والمكسب في صناعة الدليل الخاص بنا، وفن التقاء الساكنين فينعتقا من السكون إلى الحركة، ومن الجمود إلى النشاط، فيغذي أحدهما الآخر، لينمو الصنو بالصنو.
ما لا تفسره قد يكون بسبب جهلك لا بسبب استحالة التفسير، ويكفيك المرور بصمت دون إحداث الجلبة حول مالا تفهمه، ولا بأس بالسؤال فشفاء العيّ السؤال.
ختاما…. تبلّغ بالتأمل مالا تبلغه بالسؤال.