يقول لويس باستر “قد تكون نهايات أشياء هي بدايات لأشياء أخرى” وهذا إيحاء تلك المعامل ونهايات تلك التجارب، والتي صنعت منه هذا الحكمة، ولابدّ لعلم الكيمياء والأحياء الدقيقة وتلك الاكتشافات الثرية في مجال الطب واللقاحات وتوج ذلك بالفلسفة والتي بدورها حاولت صياغة ذلك الإرث العلمي والثقافي والمعرفي ليخرج لنا لويس بتلك القناعات.
تعمل على تجربة معينة، لتجد أنها تودي إلى كل شيء، ألا إلى ما خططتَ له، فكان مالم تبنيه هدفا قد بات هدفا على الحقيقة، وربما أقوم مما خططت، وعلى أقل تقدير فقد فتحتْ تلك النهاية مساراً جديداً وبداية أكمل وربما الأجمل.
نهاية رحلة تلك القطرة ووصولها إلى سطح الأرض يعدّ نهاية لتلك الرحلة، ومحطة وصول أخيرة في ذلك المسار، ولكن في الحقيقة هي ليست إلا محطة انطلاق جديدة بل هي الانطلاقة الفعلية لتلك القطرة “على الأقل في نظرنا كمستفيدين”.
نهاية التعبئة هي بداية العطاء، ونهاية العطاء بداية قطف واسترخاء، ولكل حالة لبوس، ولكل لبوس قيمة داخلية تشكله وتصنع فيه.
هذه دعوة مبطنة لعدم التنمر على النهايات، وما ذنبها وهي قد فعلت ما فعلت لتخلق لك بداية جديدة، وطريق أخر لم تسلكه من قبل.
يحكي التاريخ في طياته كثير المرويات، وغزير الحكايات التي تصب بطريق أو باخر في ذلك المساق، فغالب تلك النجاحات إن لم تكن كلها على صعيد العلماء والفلاسفة والمؤثرين كأفراد وكذلك في إطار المجتمعات قديماً وحديثاً لم تكن بدايتها إلا عاقبة لنهاية، فحين انتهى بهم المطاف في نفق الانكسار وجحيم الخيبة لاحت بارقة الجديد وكأنها لم تكن تلك الخيبة إلا الجديد ذاته.
نهاية اليابان المرسومة من قبل الغرب كانت بداية مرسومة من قبل الأقدار من جهة وذلك الشعب الحي من جهة أخرى، وقل هذا في نتاج الحرب العالمية الثانية لدى بعض ضحاياها والتاريخ لا يمهل أحداً فهو يعيد نفسه بين الحين والأخر، وقد درج كثيراً أن عاقبة الدمار إعمار وأن الألآم محاضن الآمال.
بقي أن نفهم أن القاعدة السابقة ليست منحة للجميع، ولن تكون قطعاً هبة للكل، بل هي لخاصة الخاصة وعطية المستحق فقط، فكما أن هناك خلق جديد مع موت حاصل، فإن هناك موت آخر مع هلاك آفل، ويتعاقب الموت مع الموت دون دخول الحياة في ذلك النسق.
ختاما.. كبدُ النهايةِ يا أوخيَّ بدايةٌ****** وبذا غدتْ تلكَ النهاية تحمدُ.