موافقة مجلس الوزراء الموقر، في جلسته التي عقدها برئاسة سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ورئيس مجلس الوزراء – حفظه الله-، بنيوم بتاريخ 3 محرم 1443هـ الموافق 11 أغسطس 2021م على “نظام إدارة النفايات”، تُجسِّد اهتمام قيادتنا الرشيدة – أيَّدها الله – بتوفير بيئة آمنة وسليمة للمواطنين والمقيمين، وتُؤكد حرصها الكبير على تفعيل عملية الاقتصاد الدائري وتطبيقه على أرض الواقع؛ حيث يهدف هذا “النظام” للقضاء على الهدر في المواد والسلع والطاقة، والاستفادة منها قدر الإمكان، وإتاحة فرص الاستخدام المستمر لهذه الموارد، وكذلك لتحقيق مبدأ الاستدامة والارتقاء بخدمات إدارة النفايات وتطويرها ورفع جودتها، وبما يتسق مع رؤية المملكة الطموحة 2030، وذلك ضمن خطط إستراتيجية تهدف إلى بناء منظومة عالمية المستوى لإدارة النفايات، وجعل المملكة في مصاف الدول الأكثر تقدمًا في إدارة النفايات بأنواعها المختلفة، وإيجاد حلول عملية وفعالة لهذه العملية؛ وذلك بهدف الحفاظ على البيئة وتقليص التلوث البيئي الذي يسببه تراكم المخلفات، فضلًا عن توفير فرص استثمارية في مجال إدارة النفايات؛ حيث إن بعض التقديرات الأولية، تُشير إلى أنه يُنتج في المملكة أكثر من (53) مليون طن من النفايات سنويًا، تشمل النفايات البلدية الصلبة ونفايات الهدم والبناء والنفايات الطبية والصناعية وغيرها، الأمر الذي يُؤكد حجم الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يعد بها هذا القطاع.
ممّا لا شك فيه أن إدارة النفايات (Waste Management)، تُعدُّ من الإدارات المحورية والمهمة، وتهدف إلى التخلص من النفايات باتباع أساليب آمنة بيئيًا، وتوفير مستوى عالٍ من معايير الجودة في تحويل النفايات الإلكترونية والصلبة إلى مواد خام قابلة لإعادة الاستخدام وصديقة للبيئة، وذلك وفقًا للأنظمة واللوائح المُتبعة محليًا وإقليميًا ودوليًا، والتي تعود على المجتمعات بالفوائد، وعلى هذه الجهات المختصة ببعض المنافع الاقتصادية والعوائد المالية.
لتعضيد هذه الجهود وتفعيلها، تمَّ في العام 1440هـ، تأسيس “المركز الوطني لإدارة النفايات” التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة، والتي يتولى معالي المهندس عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، قيادة دفتها؛ بهدف تنظيم أنشطة إدارة النفايات والإشراف عليها، وتحفيز الاستثمار فيها، والارتقاء بجودتها، بناءً على مبدأ الاقتصاد الدائري في إدارة النفايات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والذي من أهم أهدافه كذلك، تشجيع البحث والابتكار في مجالات الإدارة المتكاملة للنفايات، والتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات فيما يتعلق باختصاصاته، وإقامة البرامج التدريبية المتعلقة بإدارة النفايات لرفع مستوى الأداء وبناء القدرات لدى الكوادر الفنية العاملة في هذه المنظومة، وفي مجال “الاستثمار”، تشجيع وتحفيز الاستثمار في نظام إدارة النفايات بكافة أنواعه – باستثناء المواد المشعة-، وخلق الفرص الاستثمارية، ودراسة النماذج المختلفة لتمويل إدارة النفايات لتحقيق الاستدامة المالية.
ولعل من أهم جهود هذا “المركز” بقيادة رئيسه التنفيذي، الأخ الدكتور عبدالله بن فيصل السباعي، توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة الاستثمار، للعمل على تأسيس وتعزيز التعاون في قطاع إدارة النفايات في المملكة، ومن منطلق أن العمل التشاركي سيساعد على تحويل التحدي إلى فرص استثمارية، وإلى منجزات لتعزيز مسيرة التنمية التي تعيشها بلادنا، وبهدف تنسيق الجهود وتوحيدها، وإيجاد الحلول للتحديات التي تواجه الاستثمار في هذا القطاع، وتحسين البيئة الاستثمارية فيه، لتأكيد مساهمة صناعة إعادة التدوير وبرامج إدارة النفايات في الناتج الوطني، وللتأكيد على أهمية الشراكة والتكامل في العمل بين مختلف الجهات ذات العلاقة – بما فيها القطاع الخاص -، لتفعيل هذا القطاع الحيوي وتحقيق مستهدفاته الطموحة، والتي تتمثل في التخلص والاستفادة من أكثر من 80٪ من إجمالي النفايات المنقولة إلى المرادم بحلول عام 2035. وكذلك قيام “المركز الوطني لإدارة النفايات”، وضمن مساعيه لزيادة الوعي بأهمية جمع النفايات كعملية بيئية مستدامة، وإرساء ثقافة قوية لإعادة التدوير”، بتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة “بيبسيكو” (PepsiCo) العالمية، لإقامة شراكة إستراتيجية بينهما، تهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية في المملكة؛ حيث تركّز هذه المذكرة على تحديد دور الطرفين في تعزيز سياسات الاستدامة البيئية، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية لدعم الاقتصاد الدائري، بجانب إشراك القطاع الخاص في جهود التوعية البيئية، والحلول المبتكرة لحماية البيئة وإنمائها، ودعم مشروعات الاستدامة في بلادنا العزيزة، وبما يتواءم مع رؤية المملكة 2030، هذا بالإضافة إلى كثير من الجهود الأخرى.
هذا بجانب كثير من الجهود الأخرى في هذا المجال، والتي منها اعتزام إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، إطلاق مشروع أول محطة لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة، وتحويل النفايات إلى طاقة (WtE) أو توليد الطاقة من النفايات (EfW)، مما يعني معالجة للنفايات، وذلك خلال العام الميلادي القادم 2023، لتحقيق هدف المملكة المتمثل في تطوير مرافق جديدة لتحويل النفايات إلى طاقة، وفقًا لرؤية 2030، بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية وتنويع مصادر إنتاجها، الأمر الذي سيُسهم في توفير فرص استثمارية كبيرة في قطاع التكنولوجيا النظيفة وإدارة النفايات، للشركات المحلية والدولية؛ حيث إن عملية تحويل النفايات إلى طاقة، تُعتبر هي الحل الأمثل لمعالجة النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها، إذ تُعدُّ بديلًا لعمليات طمر النفايات، مع الاستفادة من إمكانية توليد الطاقة من عملية الحرق. كما تنوي هذه “الشركة” نفسها، بناء أول منشأة من نوعها لإعادة تدوير وفرز مخلفات الهدم والبناء في مدينة الرياض، وتحويلها إلى مواد قابلة لإعادة الاستخدام لمشروعات الإسكان والبنية التحتية.
والله ولي التوفيق،،,
———————
* أستاذ مساعد الهندسة البيئية والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى.