قال صاحبي: حملت لنا الأيام الماضية، خبر عودة القنوات الإخبارية السعودية الخاصة إلى أرض الوطن، فهل ستتغير مضامينها، وهل ستجري تعديلًا لخارطة برامجها واهتماماتها، وهل سيحظى أبناء الوطن من المتخصصين بفرص العمل في قنواتهم الوطنية، وهل قربها سيفتح باب التنافس بينها وبين قنوات الإعلام الرسمي؟
كان وجود جزء من إعلام الوطن خارجه خلال حقبة زمنية ماضية أمرًا مقبولًا، لاعتبارات متعددة، أما وقد شهدت المملكة تطورات في المجالات كافة، وتطويرًا في كثير من الأنظمة، أصبح لزامًا على قنوات الوطن الإخبارية العودة إليه في هذه المرحلة المفصلية، للمساهمة بدور حقيقي وفعّال بما يجب على الإعلام الوطني القيام به.
كما أن مفهوم الإعلام الوطني في هذه المرحلة بحاجة لإعادة تعريفه، وتحديد أسسه ومنطلقاته الفكرية، ومهامه، وواجباته، والعمل على تحديث منظومته البشرية والفكرية بما يتناسب مع البيئة الجديدة، والتحديات المتنوعة، وأول ما يجب على إعلام الوطن القادم أن يرى نفسه خط الدفاع الأول عن قضايا وطنه، وهذا يستلزم إجراء تغيرات جذرية ليس فقط في سياسته التحريرية، وإنما فيمن يشغل هيكله الوظيفي، فوجوده خارج وطنه، ربما يقيده ويجعله يراعي المكان الذي ينطلق منه شرقًا كان أو غربًا.
في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ هذه القنوات الإخبارية السعودية، عليها تقييم التجربة السابقة، والتخطيط للمرحلة المقبلة بما يتواءم مع مقتضيات المرحلة زمانيًا ومكانيًا، وأن تعمل مع الإعلام الرسمي في إعادة رسم وتشكيل هوية الإعلام السعوي بجناحيه، وأن يصبح مؤثرًا، وفاعلًا وحاضرًا ومصدرًا للمعلومة، وألا يخاطب الداخل فقط، ومن ناحية أخرى، يقدم خطابًا نقديًا واعيًا، يفكك من خلاله الخطاب الإعلامي المسموم الذي يخترق العقول دون أن تشعر به، مشكلًا صورة تراكمية مليئة بالسلبية عن الوطن، وهذا ما ألاحظه في حديث بعض من تستضيفهم الفضائيات، ويتحدثون بصورة ماكرة، عن الدول النفطية، وأحيانًا الخليجية، والمقصود هو السعودية.
في هذه المرحلة فرصة ذهبية لاكتشاف المواهب الوطنية، واستقطابها، وتشجيعها، وتأهيلها، والصبر عليها، فلدينا كنوز إعلامية بحاجة لمن يمنحها الفرصة، في الإعداد، والتخطيط، والتصوير، والإخراج، والتقديم، والإدارة، وغيرها من مستلزمات العمل الإعلامي، لكنها لم تمنح الفرصة، لإظهار مواهبها، وخدمة وطنها، وتقديم ما تعلّمته في كليات وأقسام الإعلام المختلفة.
هذه المنظومة الإعلامية بحاجة للتكامل والتناغم، وإيجاد لغة مشتركة بينها، وبين بقية المؤسسات الوطنية، فهي تقف على خط واحد مع المؤسسات التعليمية والتربوية، وقوات الدفاع الجوي، والقوات البرية، وغيرها من التشكيلات العسكرية، ولكنها تتفوق عليها جميعًا، في قدرتها على مخاطبة الملايين، على اختلاف أعمارهم، ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي قوتها الناعمة التي تتجاوز بها الأسوار والحدود، فإحداث التأثير هو الهدف والغاية من العمل الإعلامي، لأن المرحلة الراهنة تتطلب منّا أن نكون مؤثرين لا متأثرين.
وأخيرًا؛ بات من المؤكد أننا نواجه تحديات حقيقية ومشكلات متعددة مع قضايا كثيرة من الإرهاب إلى الجنوح الفكري، مرورًا باستهدافنا بتهريب المخدرات بطرق تخفى حتى على الشيطان!، وغيرها، وأصبح العالم يعيش اليوم في بيئات جديدة تُدار بالتقنية والإعلام إلى حدٍ كبير، هذه التغييرات تتطلب منا تغييرات في طريقة التفكير والتخطيط والتنفيذ والسرعة التي يتم التعامل بها مع مثل هذه القضايا وغيرها، وهذا هو المأمول من إعلامنا الوطني العام والخاص.
قلتُ لصاحبي:
وكم عزَّ أقوام بعزّ إعلام.