إحدى الفتيات تعمل بوظيفة (متطوعة) لدى مؤسسة، طبعًا مديرها يتقاضى راتب مبلغ وقدره، ورؤساء الأقسام يتقاضون رواتب مبالغ وقدرها، ونجد الموظفين الأجانب في المؤسسة رواتبهم كذلك، إلا ابنتنا السعودية: شجّعوها وحمسوها وضحكوا عليها بتطوير ذاتها واكتسابها خبرة ووعدوها -وعد مع وقف التنفيذ- بأولوياتها في التوظيف إذا سنحت الفرصة (المستحيلة) كل ذلك من خلال القبول بالعمل التطوعي.
المسكينة صدقت وأصبحت تداوم قبل الجميع، وتطلع بعد الجميع.
كل يوم تدفع قيمة أوبر (رايحة جاية)، وتتلاشى تلك الخسائر المادية – رغم فقر المسكينة- أمام تشجيع مديرها (الأجنبي) ومناداتها ب(المبدعة) ومدحها أمام فلانة وعلانة ممن يتقاضين رواتب مجزية.
مرت الأسابيع تلو الأسابيع، ومازالت المبدعة متطوعة.
مرت الأشهر تلو الأشهر ومازالت المبدعة متطوعة.
أكملت مبدعتنا سنة كاملة في التطوع الإجباري بحثًا عن بصيص أمل في التوظيف.
في أحد الأيام اضطرت المسكينة إلى أن تتسلف من زميلتها في العمل لتوفير قيمة المواصلات، ولكن زميلتها لم تعطها أي مبلغ بحجة(كيف ترجعينه لي وأنتي ماعندك راتب!!) غابت المبدعة عن الدوام ذلك اليوم، وتفاجأت باتصال مديرها قائلًا: سلامات؟ ليش غايبة اليوم؟ إحنا مجهزين ملفك للتوظيف ومن غير المناسب أن يكون فيه غياب!
المضحك أنه وفي نفس ذلك الأسبوع وجد مديرها لنفسه فرصة وظيفية أفضل وأرقى في جهة أخرى، وبدون تردد ترك العمل في الوظيفة السابقة، وانتقل إلى وظيفته الجديدة براتب ضعف راتبه الماضي (ومازالت المبدعة متطوعة).
افتقدت ابنتنا عبارات التشجيع الوهمي، وعرفت حقيقة استغلالها باسم التطوع.
هذه حالة من مئات الحالات اللواتي يعملن بشكل تطوعي (متعشمات) في أمل غير واضح، ووعود ضبابية بالتوظيف.
اسمحوا لي أطلب من معالي وزير وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الموقر أن يقبل اقتراحي الآتي:
ما رأيكم يا معالي الوزير أن تُشكل لجنة من قبلكم لدراسة مقترح تحويل الساعات التطوعية لفتياتنا وأبنائنا (وفق شروط) إلى كوبونات بنزين بحيث يتطوع الرجل وتتطوع الفتاة وتكون النتيجة صفر/ صفر لا يكسبون ولا يخسرون!
إن ما نشاهده الآن في الواقع فهو تطوع يخسّر أبناءنا وبناتنا المال والجهد، وقد يكسبهم خبرة، ولكن لاتوازي المال والجهد المهدر.
ربما يأتي فلان وعلان ويقولون: يا أخي لا تنظر للأمور بشكلٍ مادي! التطوع أرقى وأسمى وأجل من نظرتك المادية، وأنت بهذا الاقتراح افقدتَ التطوع قيمته العالية وهدفه الأسمى، وجعلت من المتطوعين باحثين عن المال عن طريق التطوع.
اسمحوا أرد على فلان وعلان وأقول: ينبغي أن يكون التطوع منذ البداية واضحًا بعبارة (مافي توظيف) وكل الذي سوف تحصلين عليه هو خبرة فقط، أو (ملتزمون بالتوظيف)؛ وذلك من خلال عقد مختوم بين الطرفين، لا أن يتم إعطاء لوعود شفهية.
نقطة أخرى: كذلك ينبغي أن يتطوع من هو على رأس العمل، ولديه مصدر للدخل يغطي المواصلات والجهد والوقت المبذول.
أما استغلال حاجة الأنثى وتأميلها بالتوظيف بوعود أشبه ما تكون بالدخان المتلاشي؛ فهذا لا يقبله عقل ولا يقره شرع ولا يرضاه مسلم.
بصوت خفيف:
تقدر تعلق الجرس يا معالي الوزير؟
مقال في الصميم وواقع فعلا يعيشه شبابنا وفتياتنا أين الرقيب؟ أين الضمير؟
سلمت يادكتور. محمد واصل إبداعك وجهودك كبيرة أكثر الله من أمثاله.
أبو راكان متجلي وتلمس أوجاع ومتاعب ومعاناة الناس، شكرا على كل ماتقدم