المقالات

العلاقات السعودية الموريتانية، خمسة عقود من العطاء

تاريخيًّا علاقة الشناقطة بالمملكة العربية السعودية علاقة فرع بأصل وعلاقة شعب عربي مسلم بمنشأ دينه وعروبته ومثوى نبيه عليه الصلاة والسلام، في القرنين ١٨و١٩م كانت شنقيط (موريتانيا الحالية) تعيش فراغًا سياسيًّا وانعدامًا للأمن حتى وصل الأمر تسميتها “بلاد السيبة”، لكن هناك أمرًا واحدًا لم يتوقف الشناقطة عن فعله رغم المخاطر، وهو الذهاب في رحلة الحج، وقد مات منهم خلق كثير في الطريق، ووصل البعض للديار المقدسة منهم من استقر هناك أو في بلاد عربية أخرى وقلة منهم عادت، كان الشنقيطي إذا قرر الذهاب للحج يكتب وصيته ويسوي دينه وكل معاملاته؛ لأن احتمال العودة كان ضئيلًا ولعل أشهر الشناقطة الذين بزغ نجمهم هناك الشيخ آب ولد اخطور المعروف بمحمد الأمين ولد محمد المختار الشنقيطي الذي استقرَّ بالمملكة؛ حتى وافاه الأجل المحتوم والشيخ محمد الأمين ولد محمد الخضر ولد مايأبى المعروف بمحمد أمين الشنقيطي الذي عمل وزيرًا للتعليم ومفتيًّا للمملكة الأردنية الهاشمية وغيرهم كثير لا يتسع المقال لذكرهم وظلت علاقة الشناقطة بالمملكة العربية السعودية علاقة حب ووفاء من استقر منهم ومن عاد، ولازال أحفادهم يحملون كل التقدير للسعودية ولملوكها العظام.

سياسيًّا وفي العصر الحديث كانت انطلاقة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية متأخرة نسبيًّا؛ إذ بدأت ١٢ سنة بعد استقلال موريتانيا، وكانت فاتحتها الزيارة الشهيرة للمغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود لموريتانيا سنة ١٩٧٢م التي فرح لها الموريتانيون أكثر من فرحهم باستقلالهم عن فرنسا، وقد كانت بداية لخمسة عقود من العطاء والوفاء إذ إن المملكة ستصبح أهم داعم سياسي واقتصادي للجمهورية الوليدة حتى أيامنا هذه، على خلفية تلك الزيارة أمر الملك فيصل بتقديم التمويل اللازم لأطول وأهم طريق في البلد (طريق الأمل) وتبرع من ماله الخاص لإنشاء مقاطعة جديدة وتجهيزها وتقسيمها على اللاجئين الذين يسكنون أطراف العاصمة إثر نزوحهم من الأرياف بسبب جفاف شديد أصاب البلاد تلك الفترة جعل الله ذلك العمل في ميزان حسناته.

استمرَّ الدعم السعودي غير المشروط لموريتانيا مواكبًا كل المشاريع التنموية الرئيسية؛ حتى أصبحت اليوم أكبر ممول ومانح لموريتانيا بين دول العالم، وقد تطورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مع الوقت، وفي سنة ٢٠٠٧م زار الأمير عبد العزيز بن عبد الله نائب وزير الخارجية السعودي آنذاك أنواكشوط معلنًا رفع التمثيل الدبلوماسي السعودي بموريتانيا لدرجة سفير لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وهي خطوة زادت من عمق ودفء العلاقات بين البلدين الشقيقين ثم كانت الزيارة التاريخية والميمونة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لبلادنا سنة ٢٠١٨م، والتي حملت الكثير من المعاني والدلالات السياسية؛ فقد كان ولي العهد في طريق عودته من قمة العشرين، وكانت الزيارة شرفًا وتقديرًا تتمناه الكثير من الدول في شبه المنطقة، وقد دشَّنت هذه الزيارة مرحلة جديدة من التعاون وصل للوضع الذي نتمناه أن يكون بين موريتانيا بوابة العرب على غرب إفريقيا وبين السعودية قائدة العالم الإسلامي والعربي ومركز ثقلهما الديني والسياسي والاقتصادي.

توحيد المغفور له الملك عبدالعزيز للبلاد وإعلان المملكة العربية السعودية كان حدثًا عالميًّا وتاريخيًّا وصل خيره وعطاءه حتى أقاصي الدنيا، لقد كان حدثًا سعيدًا لنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ فقد نهلت بلادنا من خير الملوك السعوديين وعطائهم منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.

رحم الله الملك المؤسس وأبناءه من الملوك والأمراء العظام، وأعلى راية خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وكل عام والمملكة لمزيد من الازدهار والتقدم والريادة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button