الشريف محمد حسين الحارثي

حدثني عن الربانيين

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79].

ورد في تفسير القرطبي “الجامع لأحكام القرآن” في تفسير هذه الآية قوله: والربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب، والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره؛ وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور، وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم، وأحدهم ربان، من قولهم: ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه؛ فمعناه على هذا يدبرون أمور الناس ويصلحونها.
فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه؛ لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم.
وقوله تعالى: (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) قرأه أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف من العلم. واختار هذه القراءة أبو حاتم. قال أبو عمرو: وتصديقها تدرسون، ولم يقل “تدرسون” بالتشديد من التدريس. وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة تعلمون بالتشديد من التعليم؛ واختارها أبو عبيد. قال: لأنها تجمع المعنيين ” تعلمون، و(تدرسون). قال مكي: التشديد أبلغ وقرأ أبو حيوة (تدرسون) من أدرس يدرس، وقرأ مجاهد (تعلمون) بفتح التاء وتشديد اللام، أي تتعلمون.
وعرف الطاهر بن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير”: {وتدرسون} معناه تقرؤون أي قراءة بإعادة وتكرير؛ وفي الحديث: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة إلخ” رواه الترمذي، فعطَفَ التدارس على القراءة فعُلم أنّ الدراسة أخصّ من القراءة، ومصدر درس بمعنى قرأ يجيء على الأصل دَرْسًا ومنه سمي تعليم العِلم درسًا.
نستخلص من هذه التفاسير وبكل وضوح: أن المقصود بالرباني هو (العالم والمعلم، بل وطالب العلم أيضًا)، ومصداقُ ذلك قول نبينا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ورد في حديث طويل عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (… إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا) صحيح مسلم، حديث رقم (1478).
ومن شرح هذا الحديث الشريف: “إنَّ اللهَ لم يبعَثْني “مُعنِّتًا”، أي: مُوقِعًا أحدًا في أمرٍ شديدٍ، والعَنَتُ: المشقَّةُ والإثمُ أيضًا، ولا “مُتعنِّتًا”، أي: طالبًا لزلَّةِ أحدٍ، ولكن بعَثني مُعلِّمًا، أي: للخيرِ، مُيسِّرًا، أي: مُسهِّلًا للأمرِ.

ونورد فيما يلي: نماذج من سلفنا الصالح في توقيرهم للمعلم واحترامهم له:
• قال الشافعي رحمه الله كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحا رفيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها.
• وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.
• وحكى أن الخليفة هارون الرشيد بعث ابنه إلى الأصمعي ليعلمه العلم والأدب فرآه يوما يتوضأ ويغسل رجليه وابن الخليفة يصب الماء فعاتب الأصمعي في ذلك فقال: إنما بعثته إليك لتعلمه العلم وتؤدبه فلماذا لم تأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل بالأخرى رجلك.
ومجد الشعراء المعلم فقالوا:
❖ أحمد شوقي:

قم للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال الشاعر:
يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ

• وقال آخر:
إني أرى التدريس أشرف مهنةٍ *** تبعـاته من أثقل التَبِعاتِ
فليتق الله الـمدرسُ دائـماً *** فيمن يُدَرِّسُه من الفلذات

وفي الختام إليك أخي المعلم وأختي المعلمة رسالتي التالية:

والله الموفق.

الشريف محمد الحارثي

باحث في التاريخ والحضارة - مكة المكرمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى