تسعى القيادة الروسية؛ لترسيخ نفوذها الإقليمي واستعادة حضورها السوفيتي القيصري خصوصًا في منطقة شرق المتوسط، التي تُعرف في الأدبيات السياسية الروسية بـ”بلجني فاستوك” Ближний Blizhniy Vostok أي “الشرق القريب”.
“الشرق القريب” الذي بات أحد أركان السياسة الروسية الجديدة التي بدأت بالتشكّل بعد وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000 بتطبيق مواءمة بين طموحات روسيا بالوصول إلى المياه الدافئة، واستغلال الفوضى الناتجة عن الربيع العربي واندفاعه نحو موسكو لحماية مصالحها وملء الفراغ الأمريكي في مرحلة الانكفاء الأمريكية في الحقبة الأوبامية.
دعا بوتين مع إعادة انتخابه عام 2012؛ لتعريف جديد للهوية الروسية تُمثل خيارات الأمة الروسية العظيمة ببُعديها الجغرافي والعقائدي، اللذين يمنحاها شرعية زعامتها للعالم الأرثوذكسي، وكونها قوة عالمية فهي مؤهلة للقيام بواجب التدخل لحماية رعاياها.
الكرملين الذي نجح في خلق مسألة أرثوذكسية أولًا ومسيحية ثانيًّا، واستغلها من أجل تحقيق موطئ قدم دائم له على ضفاف البحر الابيض المتوسط مستعيدًا دور روسيا القيصرية في طرح المسألة الشرقية، باعتبار أن انتصار روسيا بالحرب السورية على الأغلبية السورية بعد تدخلها عام 2015 لا يختلف عن انتصار روسيا القيصرية في حرب البلقان على الإمبراطورية العثمانية في القرن الثامن عشر، والتي فرضت على إسطنبول توقيع اتفاقية
معاهدة كيتشوك كاينارجي (Treaty of Kechuk Kaznarji) في بلغاريا سنة 1774؛ حيث انتزعت بطرسبرغ الحق في رعاية شؤون المسيحيين الأرثوذكس الذين يعيشون في الولايات العثمانية؛ فكما شرّع انتصار البلقان التدخل الروسي المباشر في الشؤون الداخلية للسلطنة العثمانية، شرع الانتصار على ثورة الشعب السوري التدخل الروسي المباشر في شؤون الكيانات السياسية الخاضعة للحكم العثماني بذريعة حماية المسيحيين ليس فقط في سوريا بل حتى في العراق ولبنان.
اليوم ومع التغيرات الديموغرافية التي طرأت على المشهد السوري، تُشير الأرقام إلى انخفاض عدد المسيحيين في سوريا إلى ما يُقارب النصف، بين مهجر خارج البلد ومقتول بفعل النزاع، وذلك وفق ما ورد على لسان قسطنطين دولغوف، مفوض الخارجية الروسية لشؤون حقوق الإنسان والديمقراطية، خلال مؤتمر “دور الأديان في العالم المعاصر”، عام 2016.
دولغوف قال، مستندًا إلى بيانات الخارجية الروسية، إن “وضع المسيحيين في سوريا والعراق يبقى صعبًا للغاية، وتابع “انخفض عدد المسحيين في سوريا منذ بداية النزاع المسلح هناك من 2.2 مليون إنسان إلى 1.2”.
اليوم مع الانتصار الروسي على الأرض في سوريا. نجد أن الروس في الطريق لتوسعته إقليميًّا حتى يصل تأثيره مباشرة إلى لبنان المتأثر بالوضع السوري منذ زمن الوصاية السورية على لبنان، إلى زمن الوصاية الروسية المشتركة على سوريا ولبنان، نتيجة لربط الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة التي أعادت ربط لبنان بالفلك السوري الخاضع أكثر من أي وقت مضى للمحور الروسي ـ الإيراني الذي يتقاسم النفوذ من بغداد إلى بيروت؛ مرورًا بدمشق.
———————-
أكاديمي متخصص بالاتصال الجماهيري السياسي