جميلة هي تلك الدور المتناثرة تحت ذلك السقف الواحد، وأجمل منها ذلك الاحتفاء الذي ظهر من خلال كثرة المرتادين وكثافة الحضور، فالمناسبات الثقافية عادة لا تحظي باهتمام في كثير من البلدان، وليست العربية فقط، بل على الجملة، ولكن ما نشاهده في معرض الرياض الدولي للكتاب يتجلّى فيه ما ذيّل به العنوان “وجهة جديدة وفصل جديد”
مررت كغيري متصفحاً، ومررت كذلك مندهشاً، ومررت أخرى مفتخراً، فالجهد المبذول جليّ للعيان، حقيق بالامتنان، وأراه جدير بالإذاعة والإفصاح والتبيان.
في كل موسم يتجدد الانبهار، ليأتي أفضل من سابقة، وأكثر إتقانا من ماضيه، ويجعل أروقته باحةً ثقافيةً ملائمة، توحي بسمو المكان والحدث، وسمو تلك الجموع التي تتنقل بين الدور، تتفرس الحسن، وتخطب الجميل، وتستقي من ذلك المعين العذب.
لست هنا لأتحدث عن جدوى تلك الفعاليات، فهي أكثر من أن تعد، ولكن مروراً ببعض تلك التجارب التي كان فها الموسم خير غائب ينتظر وغيث يستمطر،وتلميحة تصف قدر الاحتياج، وأن الكثير من مواقع الكتب، ونقاط بيعها لن تغني بحال عن ذلك الحدث، ولمحت هذا كثيراً في صفوف طلاب الدراسات العليا مثلاً من شحّ بعض المصادر، وصعوبة الحصول، وليس هناك من وجهة للقاصد سوى تلك المعارض، التي تجمع لهم شتات تلك الدور، وما تناثر في أيدي الوراقين، وهذا كله توازيا مع طاقة الجو الثقافي العام، وما يصبّه في نفوس مرتاديه من لذيذ الطلب وشبعٍ لبغية المهتم.
لا شك أن وسيلة البحث هي أسهل بكثير مما سبق، ولكن تبقى بعض المدوّنات عزيزة الوصول نادرة الوجود وهذا ما تحمله تلك المعارض في طياتها.
يبرر النقد ولا يبرر الحكم، إذ يمكن للقاري إبداء راية في المنشور، ويذيله بأنه ليس سوى رأي، وليس حكماً ينبغي الأخذ به والاعتماد عليه، وقد سمعنا الكثير من تلك العبارات التي توحي بأحقيّتها في تأطير ذلك المشهد وإصدار الشهادات على كل ما تمر به “هذا الكتاب أجمل ما كُتب” و”أفضل ما دون” و”هذا المطبوع يحمل أوراقاً أغلى مما كُتب عليها” و”خسارة المداد الذي سطّر هذا الهراء” وإلى ما لا نهاية من تلك الأحكام، وذلك الظلم.
والحق أن مالا يعجبك قد يعجب غيرك، وما يتماهى مع اهتمامك وثقافتك، قد لا تتجاوب معه اهتمامات الآخر، وتأتي الذائقة كمحرك آخر، ولا سبيل للعدل في مثل هذه التصنيفات.
حين يحرر الكتّاب تلك المنشورات فأنهم بطريق أو بأخر يستهدفون شريحة معينة، ويوجهون أقلامهم في ناحية مقصودة، وربما لم تكن أنت من أهل تلك الناحية، ويكفي أن تنقد بطريقة منصفة، لتقول أنّ هذا ليس فيما أهتم.
في زخم المنشور وسهولة المطبوع سيجتمع رغماً عنك جيد الجيد وغث الغث، ويجتمع خطاب النخبة وحديث العامة وحاطب الليل لن يسعفه الوقت لتفقد ما يستحق ومالا يستحق، وللقاري حرية الوصول كل بحسب ما يغذّيه ويطمح له.
أعلم أن إصدار الحكم أسهل بكثير من النقد، وربما وقعنا كثيراً في هذا، وبادرنا بالحكم قبل التفحّص، ولكن لا بأس من تصحيح مساراتنا، وربط الحكم بالدراسة، ونبش دقيقه فضلاً عن جليه، والإمعان في تفاصيله، كالإمعان في مجمله، للخروج بحكم مدّرع بالإنصاف متوشّح بالحق، وهذا أضعف الواجب.
ختاماً…. معرض الرياض الدولي للكتاب استطاع أن يكون في مخيلتي ذلك “الفصل الجديد”.