برنامج (خدمة ضيوف الرحمن)، الذي تتضمنه رؤية المملكة الطموحة 2030، يعدُّ امتدادًا طبيعيًا لشرف قيام ملوك هذه البلاد الطاهرة بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار، وذلك من منذ عهد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه -، وصولًا لهذا العهد الزاهر المشرق، عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – رعاهما الله – حيث يهدف هذا “البرنامج” إلى تيسير استضافة قاصدي الحرمين الشريفين، وتقديم أفضل الخدمات لهم، مع إثراء تجربتهم الدينية والثقافية؛ حيث صمم هذا “البرنامج” رحلتهم وفق سبع نقاط اتصال رئيسة، وذلك لتحقيق تجربة روحانية متميزة للحاج والمعتمر تبدأ بنقطة ما قبل الوصول، ثم القدوم والمغادرة، ويليها التنقل، وزيارة الحرمين والمشاعر المقدسة، وأداء النسك بصحة وأمن، وأخيرًا نقطتي الضيافةِ واكتشافِ المملكة.
(بناء الإنسان وتنمية المكان)، شعار يهدف لتنفيذ توجهات القيادة الرشيدة – أيدها الله -، ويتسق مع هذه “الرؤية” ويتماشى مع أهدافها ويعمل على تحقيقها، وقد رفعه رائد الإبداع والابتكار، المُلهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة منذ عدة سنوات، وجعله – حفظه الله – خارطة طريق لرفعة إنسان هذه المنطقة والنهوض بها وتطويرها وإعلاء شأنها، والذي تمّ إنزاله على أرض الواقع والشروع في تطبيقه فعليًا؛ حيث توِّج بـ (معرض مشروعات منطقة مكة المكرمة الرقمي)، الذي أُقيم بقبة جدة بتاريخ 28 شوال 1442هـ برعايته – يحفظه الله -، وحوى عروضًا عن المشروعات التنموية في منطقة مكة المكرمة خلال 14 عامًا، كما تمّ فيه عرض أكثر من مائة مشروع في جانب تنمية المكان، وعدد من مشروعات بناء الإنسان في المنطقة، والتي أولت اهتمامًا كبيرًا بالجوانب الفكرية والثقافية والمسابقات، وقد أعقب هذا “المعرض”، فعالية أخرى في هذا الجانب، وهي ملتقى مكة الثقافي في دورته الخامسة: “كيف نكون قدوة في العالم الرقمي”، وضم أيام مكة للبرمجة والذكاء الاصطناعي، بمشاركة علماء محليين ودوليين متخصصين في المجال الرقمي، وأكاديميين وخبراء من مختلف جامعات المنطقة – الحكومية والأهلية -، الذين بلغ عددهم أكثر من 90 مشاركًا ومشاركة، وبدورهم أثروا عمليات التحول الرقمي، وعملوا على تعزيز منظومة هذا التحول في مدن المنطقة ومحافظاتها، وقاموا بوضع خطوات وخطط وبرامج تدعم التحول الرقمي في مجالات الحج والعمرة، والسياحة والترفيه والخدمات، وتطوير مختلف الخدمات في ظل التقنية؛ وذلك عبر العديد من الجلسات الحوارية والدورات التدريبية والتأهيلية.
“وجهة مسار” استحدثت منظومة استثمارية متكاملة تعتبر الأولى في مكة المكرمة، ضمت مختلف خدمات الحج والعمرة، وشملت قطاعات النقل والضيافة والإسكان والصحة والسياحة والترفيه وغيرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى.. تعتبر أبرز وأهم مشرعات “شركة أم القرى للتنمية والإعمار”، والتي هي شركة سعودية ذات رؤية تنموية تطويرية، تهدف إلى خدمة سكان مكة المكرمة وضيوفها من الحجاج والمعتمرين، وذلك بالعمل على تطوير ونماء العاصمة المقدسة والمساهمة في جعلها ضمن المدن المتقدمة، تعد أحد أبرز مشروعات تطوير وتنمية الإنسان والمكان؛ حيث تهدف إلى إحداث نقلة نوعية استثمارية طويلة المدى لجذب مختلف القطاعات، وتعزيز جودة الحياة لسكان مكة المكرمة، وتحسين الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين وزوار للمسجد النبوي الشريف، وذلك من خلال تبنيها لمنظومة خدمية راسخة تمتد لمائة عام قادمة – بحول الله وقوته -، تضمن توفير فرص استثمارية متنوعة وطويلة المدى.
كما تُشكَّل “مسار”، واجهة حضارية للمدخل الرئيس للعاصمة المقدسة من الناحية الغربية؛ حيث تقع في الجزء الغربي من مكة المكرمة، وتمتد من حدود الطريق الدائري الثالث عند مدخل طريق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وهو الطريق الرئيس الذي يربط مكة المكرمة بمدينة جدة غربًا، والذي يعتبر أحد أهم طرق مكة المكرمة الحيوية من الجهة الغربية، مرورًا بالمنطقة المركزية بمكة المكرمة حتى الحدود مع جبل عمر شرقًا، ويصل طول “مسار” 3.650 مترًا وعرضها 320 مترًا، وتربط الطرق الدائرية: (الأول، والثاني، والثالث) ببعض الشوارع الرئيسة: (شارع عبدالله عريف، وشارع المنصور)، لتستقبل ما يزيد على 60% من حركة المركبات القادمة إلى مكة المكرمة، مما سيخفف الضغط على منطقة الحرم الشريف، وذلك لاحتوائها على مواقف سيارات ووسائل نقل متعددة تسهل من حركة ضيوف الرحمن وقاصدي المسجد الحرام القادمين إلى مكة المكرمة ومغادريها على حدٍّ سواء، والذين يصل عددهم وقت الذروة على أرض “مسار” نحو 90 ألف زائر في الساعة، كما تبلغ مساحة “مسار” الكلية 1.25 مليون متر مربع؛ بالإضافة إلى 141.000 متر مربع مساحة مسجد الملك عبدالله على أرض الوجهة، والذي تمّ تصميمه ليكون معلمًا معماريًا مميزًا في هذه المنظومة المتطورة والصرح العمراني الراقي، كما تمتد بطول الوجهة وتنتشر في أجزائها المختلفة الغديد من الصروح والمنشآت والمرافق الحيوية، والتي تتجسد في عدد من الفنادق عالمية، والمراكز والمحلات التجارية، والساحات والمناطق المفتوحة، والخدمات الحكومية، والمراكز الطبية والصحية، والعديد من المرافق الثقافية والترفيهية والاجتماعية المتكاملة.
هذه “الوجهة” الحديثة والراقية، تهدف لخدمة سكان هذه البقعة المباركة وضيوفها من الحجاج والمعتمرين وتسهيل وصولهم إلى الحرم المكي الشريف، وتغيير تجربتهم نحو الأفضل؛ حيث يتجه مسار المشاة نحو مركز الكعبة ليمثّل الامتداد الطبيعي لساحات الحرم المكي الشريف، كما تضم الكتلة العمرانية في “مسار” منشآت ومجموعات من المباني بمحاذاة الطريق الرئيس لمسار المشاة؛ وذلك بما يتماشى مع توجه القيادة الرشيدة نحو رفع أعداد ضيوف الرحمن إلى 30 مليون معتمر بحلول عام 2030م، حيث تم تعزيز هذه “الرؤية” برفع مستوى التطوير العمراني، القائم على بنية تحتية مهمة لعشرات الأعوام القادمة، مدعومة بجودة المرافق والخدمات. كما تعد إحدى المشروعات النموذجية، وذلك لاعتمادها على مفهوم الحركة الشاملة عبر إيجاد بيئة تطويرية واستثمارية خارج نطاق المنطقة المحيطة بالحرم المكي الشريف، وتهيئة البيئة اللازمة لتحسين نمط الحياة بها وذلك من الجانب الاجتماعي، أما من الجانب الاقتصادي، فستوفر “مسار” البنية التنموية المتكاملة التي تسهم في تنويع النشاط الاقتصادي وطرح فرص استثمارية مميزة بها في قطاع الضيافة وقطاع التجارة؛ حيث تعتبر بيئة استثمارية جاذبة للفنادق والمطاعم العالمية والجهات ذات العلاقة بتقديم خدمات الحج والعمرة المتخصصة.
والله ولي التوفيق،،,
———————
* أستاذ مساعد الهندسة البيئية والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى.