بالتوجه لتأسيس مؤسسات صحفية وقنوات فضائية خيرية لاستعادة العمل الخيري في العالم الإسلامي من حالة الاستلاب الغربي له بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م عندما تم ربطه بالإرهاب بحجة تجفيف منابعه، وبتقزيم دلالاته ثم بتغيير صورته؛ لتجعل منه مرادفًا للعمل الإغاثي بمفهومه الغربي، مع أن العمل الخيري بمفهومه الإسلامي يختلف عن المفهوم الغربي المصلحي؛ لأنه يقصد المقاصد العامة للشريعة لتحقيق النفع العام.
وحيث قد مضى على الحملة الغربية على العمل الخيري الإٍسلامي عدة أعوام، وتحقيقها لنجاحات عديدة في تحجيم العمل الخيري الإسلامي، وتقييد أنشطته وبرامجه، وتحقيق مصالحه؛ حيث ظهر ذلك جليًا في أزمات إنسانية غاب عنها العمل الخيري الإسلامي كأزمة دارفور، ومجاعة النيجر، وزلزال تسونامي في إندونيسيا؛ حيث غُيِّب العمل الخيري الإسلامي بشكل لافت، بينما أصبحت تلك الأزمات محصورة في المنظمات الغربية.
ونظرًا لأن العمل الخيري في أي مجتمع من الأمور المهمة التي تؤكد قوة الدولة والمجتمع، وتؤكد تكافله وتعاونه مما يقوي النسيج الاجتماعي للمجتمع لصناعة الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما جعل المملكة تبدو مختلفة عن غيرها من الدول الأخرى؛ بدعم أعمال الإغاثة الخارجية ودعم العمل الخيري داخليًا.
ويكتسب العمل الخيري في المملكة أهمية من خيرية الأمة التي وصفها بها، ودمج ذلك في رؤية المملكة 2030م؛ لتنمية المجتمع بتغيير وزارة الشؤون الاجتماعية إلى التنمية الاجتماعية، ودمجها مع وزارة العمل لمسايرة المرحلة القادمة.
والأعمال الخيرية في المملكة تحظى بدعم واهتمام كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-. وقد حرصت الرؤية على دعم وتنمية الجمعيات الخيرية، وجسدتها بتأسيس مؤسسات خيرية كمؤسسة سمو الأمير محمد بن سلمان الخيرية (مسك الخيرية)، والتي قامت بدور كبير في الأعمال الخيرية، وتدريب وتأهيل شباب وشابات الوطن على الإبداع والإنتاج في الأعمال الخيرية، ومنها التدريب الإعلامي للشباب، بما يضمن الاستدامة، والنمو الاقتصادي، وتوافُر البيئة المناسبة للاستثمار، خاصة في رأس المال البشري السعودي.
ونظرًا للتطور المتسارع في المملكة بمشاريعها المستقبلية الضخمة، والتي يعتبر الإعلام من أحد مجالاتها وحاجة تلك المشاريع إلى كوادر إعلامية مؤهلة؛ فإنه يجب أن يتغير مفهوم العمل الخيري لدى رجال الأعمال؛ ليتحول من التركيز على مؤسسات العبادات كبناء المساجد إلى مفهوم بناء الإنسان عبر تأسيس مؤسسات صحفية وقنوات فضائية خيرية لما لها من دور عظيم في خدمة الوطن والمواطن؛ حيث تعتبر تلك المؤسسات الإعلامية تعمل على تنمية المهارات وإكساب الخبرات؛ وخاصة في المجال الإعلامي، وتوسيع مفهوم العمل الخيري ليستوعب تأسيس مؤسسات إعلامية صحفية أو إذاعية وتليفزيونية لما للإعلام من دور في شراكاته لكل المؤسسات الرسمية والتجارية، ليتم تبني خريجي كليات وأقسام الإعلام؛ ولأن العمل الإعلامي عمل إبداعي متطور يبدأ بالدراسة الأكاديمية، وينتهي بالمؤسسات الإعلامية المهنية الصحفية والإذاعية والتليفزيونية التي توفر للشباب الفرصة للتدريب في تلك المؤسسات؛ ليعيش الطلاب وخريجو الإعلام في بيئة إعلامية بالتعرف على بنيتها التحتية وبكوادرها الإعلامية وأجهزتها التقنية، وكيفية إعداد البرامج عبر تمكينهم من الممارسة واكتساب الخبرات التي تُمكنهم من دخول مجال المهنة ليتحول إلى الاحتراف لخدمة المملكة ومشاريعها الاقتصادية الضخمة التي يدخل الإعلام شريكًا فيها.
وذلك بتغطية حاجات الشباب على الممارسة والتطبيق لتطوير القدرات وتنمية المهارات؛ ليكون لدينا شباب محترف للعمل الإعلامي؛ وبهذا نكون قد ساهمنا بحل مشاكلهم لصعوبة حصولهم أماكن توفر لهم التدريب الإعلامي الاحترافي تُمكنهم من المهنة الإعلامية لما لذلك من دور في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وحصولهم على مكانتهم في المجتمع كمحترفين لخدمة المملكة وشعبها وحكومتها الرشيدة.
——————————
عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام
كلية العلوم الاجتماعية – جامعة أم القرى
0