قال صاحبي: ما سر حبك لاقتناء الأقلام الفاخرة؟ ما الفرق بينها وبين غيرها من الأقلام؟ بكم تشتريها؟ وهل تستحق القيمة المدفوعة مقابل الحصول عليها؟ والأهم ماذا تكتب بها؟ وهل لما تكتبه صدى؟
في بداية دراستي للإعلام، طلب مني والداي -رحمهما الله- أن أعيد أحد العمال بعد أن أنهى عمله في المنزل، وفي السيارة كان الحديث عامًّا، ثم اكتشف اهتمامي بما يجري في المنطقة، فسألني: “فين بتكرأ؟” فأجبته على الفور: أدرس في الإعلام.
ثم سألني: لماذا اخترت هذا المجال؟ فأجبته: لأني أحبه، فطفق يحدثني عن أهمية الإعلام، وأنه سلاح العصر، ثم نظر إلى قلمي، وقال: “فرجيني كلمك”، فأعطيته إياه، فقلبه سريعًا، ثم سألني: “كديش حقه” فخشيت أن أخبره بقيمته السوقية التي قد تتجاوز أجرة يده لعدة أيام.
وعلى الفور قلت له: رخيص، فقال لي بنبرة حادة: “تحكيش هيك، كلمك غالي”، وأعاد قلمي مكانه، وأُسقط في يدي من أن يعرف ثمنه الحقيقي، وعندما تقدمت بالدراسة، ومارست العمل الإعلامي عرفت معنى كلامه، وماذا كان يقصد.
أدركت أن للأقلام أثمانًا، تزيد وتنقص، بغض النظر عما تحمله من شعار تجاري عالمي، وما يُطلى به من ذهب وفضة، فالأقلام بمضامينها ومصداقيتها، حتى وإن كانت من فحم، فالبعض سخر قلمه لمن يدفع أكثر، فتراه يهجو اليوم من دبج المعلقات في مديحه بالأمس، تغير المداد؛ فتغيرت الكلمات، وتبدلت المعاني والولاءات.
ما يقال عن أصحاب الأقلام، يقال عن رواد القنوات، ضيوفًا، ومقدمين، يميلون مع من يدفع، ويقدمون الأطباق الإعلامية بحسب الطلب، فكما أن لكل طبق مكوناته، فله أيضًا ثمنه، وله أهدافه، وإن كان لكل برنامج إعلامي غايته ومنطلقاته، إلا أني أراها اتحدت في الحديث عن الشأن السعودي، وجعلت ما يحدث في بلادنا محورًا لبرامجها، وتحليلاتها، وتعليقات ضيوفها.
ما الذي يزعجك في هذا؟ البعض يدفع للإعلام من أجل الحديث عنه! يزعجني الكثير، فحدث ولا حرج عما أزعج صاحبك، يزعجني عندما يكون الحديث موجهًا ومبطنًا عن السعودية، يزعجني عندما يكون الضيف ذكيًّا ومهنيًّا، نذر نفسه للحديث عنا بطريقة ماكرة، يدس السم الزعاف في قطرة العسل، يزعجني أن هذه الوسائل الإعلامية التي أنفق عليها المبالغ الطائلة لا ترى في هذا الكون الفسيح إلا السعودية، وليتها ترانا بنظرة منصفة! يزعجني تعمد إحضار أسماء معينة اشتهرت بعداوتها وتجنيها على بلدنا، فلو اصطدم في الفضاء الخارجي كوكبان، لقال بلا حياء: السعودية خلف ذلك!!
يزعجني استضافة من يسمونهم بالخبراء أو المسؤولين عن منظمات لا وجود لها إلا عندما يكون الحديث عن السعودية، يزعجني غياب المحلل السعودي المهني الذي يمتلك معلومات خاصة، من مصادرها -وليس مما يُكتب في محركات البحث- يستطيع تكييفها وتقديمها بطريقته الخاصة، يزعجني غياب إعلامنا عن المشهد، يزعجني أننا أصحاب رسالة، ومبدأ، وفضل، ولم نستطع إعلام الآخرين وكسبهم، يزعجني أن لدينا ما لدى الآخرين وزيادة، وإعلامنا الخارجي في غيبوبة، ودبلوماسيتنا العامة لا تزال جنينًا طال حمله.
لماذا قلمك ينزف بهذه العبارات يا صاحبي؟! سوف أخبرك بمثال حي ساعة كتابة هذا المقال؛ فشراء نادي نيوكاسل لم يعجبهم، ولو اشتراه غيرنا لخرست أفواههم، هذا إن لم يصرخوا بكل فضاء وصحيفة مباركين هذه الخطوة المهمة في تحسين الصورة النمطية والذهنية عن العرب، وقس على هذا جميع ما يحدث في السعودية.
ثم انظر لما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من احتفاء بما يقوم به ذلك السفير من ارتداء لملابسنا، والأكل بطريقتنا التقليدية، أين دبلوماسيونا من ذلك؟ فلديهم الكثير من الكنوز التي يستطيعون من خلالها التواصل مع شعوب الدول التي يعملون بها، والأهم من ذلك أمران في غاية الأهمية، أحدهما رغبة تلك الشعوب في الاطلاع والانفتاح على ثقافتنا، والآخر وهو الأهم حاجتنا في هذه الفترة لوسيط غير متحيز في رؤية بعض ما لدينا، والحديث عنا.
قلت لصاحبي:
الأقلام النزيهة.. لها رأس ولكن ليس لها رقبة؛ ولذلك لا يمكن أن تنحني.