لا أدري لماذا تذكَّرت، وأنا بصدد كتابة هذا المقال ذلك الحوار الذي شاع منذُ سنوات على شكل طرفة يُقال إنها جاءت في سياق حديث بين الروائي والأديب الراحل نجيب محفوظ وإحدى الراقصات حين التقيا ذات مرة، وسألته ساخرة منه أين أوصله الأدب، وأين أوصلها الرقص؟ فكانت الإجابة التي أجابها ابن محفوظ تعد درسًا قاسيًا لكل من بات يطلب الشهرة على حساب الانسلاخ من قيمه وأخلاقه من أجل الشهرة الكاذبة التي أعمت عيون الكثير من الشباب والفتيات في هذا الزمان!
فما أن انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحاضر حتى بدأ الكثير من الشباب والفتيات رحلة من التنازلات الأخلاقية من أجل إثارة ضجة إعلامية واهية، والظهور بصورة مغايرة لحياتهم الفوضوية التي يحاولون تلميعها عبر تلك المواقع الغوغائية مستفيدين من سهولة إيصال أي فكرة يريدونها، وبأسرع وقت ممكن على حساب المحتوى الذي يُقدمونه خاصة في ظل انتشار، وكثرة المواقع الإلكترونية ذات التباين الإعلامي الواضح في أداء رسالتها النبيلة؛ حيث تُعد كغيرها من مخرجات التطور التكنولوجي بمثابة سلاح ذي حدين، فعلى الرغم من فوائدها الإيجابية المتعددة، إلا أن لها سلبيات طغت على إيجابياتها .
وقد صاحب هذه المنصات الاجتماعية استحداث مصطلحات جديدة لهذه الفئة الغوغائية مثل: “مشاهير السوشيال ميديا”، و”المؤثرين”، وغير ذلك من المصطلحات المركبة، مع العلم أن الواقع يعكس غير ذلك بسبب المحتوى الذي يُقدمونه على تلك المنصات والذي يتسم بالسطحية والتفاهة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تخطاه إلى لجوء البعض منهم إلى تقديم محتوى غير أخلاقي من حيث الشكل والمضمون.
وقد كانت الشهرة في السابق من نصيب أصحاب الإنجازات الكبرى كالعلماء والمخترعين والأدباء والمثقفين الذين بذلوا جهودًا كبيرة للوصول إلى أهدافهم التي ارتقت بالمجتمعات وخدمت الإنسان في مختلف المجالات، إلا أنه ومع تحول المجتمعات إلى الرقمية وانتشار الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الفيديو والأجهزة الذكية لم تعد هناك أهمية للإنجاز أو الإبداع، بل أصبحت الشهرة وشاح غالبية الجيل الجديد، الذي أصبح يسعى إليها بشتى الوسائل والطرق مهما كانت غريبة أو منبوذة.
ومما يندى له الجبين ما بدأنا نلاحظه مؤخرًا من ظهور بعض الفتيات في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تخلين عن عادات وتقاليد المجتمع السعودي مقابل تحقيق الشهرة والمال في ظاهرة غير مسبوقة، ولا تُمثل المرأة السعودية بأي حال من الأحوال، ولا يمكن تبريرها أو تفسيرها سوى بأنها تُعبر عن خلل قيمي وأخلاقي واضطراب نفسي؛ حيث تسعى هذه الفئة من الفتيات إلى تحقيق الشهرة والمال معتمدات في ذلك الظهور على مخاطبة الغرائز، وإظهار المفاتن من أجل جذب المتابعين دون تقديم أي محتوى هادف.
ومن وجهة نظري فإن المتابعين هم السبب الحقيقي وراء انتشار هذه الظاهرة؛ لأنهم من يرفعون عدد المشاهدات للملايين وكأن ذلك المحتوى الذي لا نكهة فيه ولا يسمن ولا يغني من جوع قد نقلنا نقلة حضارية أو اقتصادية كبرى على مستوى العالم، وكذلك فإن من أسباب انتشار هذا الغثاء تسابق الشركات الدعائية والسياحية إلى استغلال تواجد هؤلاء الغوغائيين؛ حيث أصبحت قضية “كاريزما الشهرة” مرتبطة إلى حدٍ كبير بملايين المعجبين الذين يلاحقونهم من موقع إلى آخر في مناظر أقل ما يُقال عنها: إنها قلة قيمة لمن يحاولون التودد والتقرب من أولئك الغوغائيين، وهو ما يستدعي التساؤل هل هذا الجمهور من المعجبين عبر وسائل التواصل هو فعلًا جمهور حقيقي، أم أنه “وهم” يُشترى لصنع نجوم في فضاء العالم الافتراضي؟!
وختام القول..فإن الرغبة في تحقيق الشهرة ليس عيبًا في حد ذاتها، إنما التخلي عن الوازع الديني والعادات والتقاليد من أجل تحقيقها هو ما يرفضه العقل والمنطق، فالشهرة جميلة ومحمودة إذا كان يُعرف صاحبها بالخصال الحميدة، والأفعال الجميلة، بل إنه يجب علينا تشجيع ودعم كل مشهور يبرز في مجال علمه أو عمله حتى ينشر خيره، ويكثر نفعه في البلاد.
وخزة قلم:
يجب علينا عدم الخلط بين الشهرة والتميز، فالشهرة أن تكون معروفًا لدى الجميع، والتميز أن تكون نجمًا من بين الجميع.
أكثر وسيلة تواصل اجتماعي مليئة بالتفاهات والغرائبيات هي التوك توك.. ذُهلت من كثرة البذاءات فيها وبعضها من بالغين وكبار سن.
أتفق ،،، قلمك مرموق أستاذ عبدالرحمن دمت بخير ويذ أوت نكههههه ☺️
الله عليك من كاتب مرموق عزفت على اوتار الحقيقة والله انه مقال يجب نشره في كل مكان لمحتواه واهدافه وحقيقية بصماته واشاراته الى تلك الفئة الفاشلة والغوغائية بكل المقاييس وكما تضمن منشورك نعم انه المجتمع من وضع لهم مكانة واسماهم بالقاب لايستحقونها فهم الغثاء والتفاهة بكل اشكالها
والله المستعان ،،،
حبيبنا أبو أحمد
لا فض فوك ، كتبت فأبدعت واضاءت كلماتك عنان الأفق فلا يبقى إلا الصحيح
حقيقي أبدعت لا فض فوك