المقالات

تمكين أم مساواة؟

يخلط البعض بين مفهوم “المساواة بين الجنسين”، ومفهوم “تمكين المرأة”، بل إن البعض يعتقد أن هدف التمكين في النهاية هو بغرض تحقيق المساواة بين الجنسين بالمعنى الذي يشيع في الأدبيات العالمية.
لذلك من الأهمية بمكان التفريق بين “المساواة بين الجنسين” و”تمكين المرأة”؛ فالأوَّل (المساواة) يشير إلى مساواة تامة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، والميراث وقضايا الأحوال الشخصية دون الأخذ في الاعتبار الفروق البيولوجية والاجتماعية والثقافية بين الجنسين التي لها جذور تاريخية، فبعض الفروق بين الجنسين لها أصل ديني ثابت يصعب تجاوزه، وهنا يلزم الحذر في استخدام، وتوظيف مفهوم المساواة.
وتفصيلًا فإن مفهوم المساواة التامة بين الجنسين يتصادم مع ما يرد في الشريعة الإسلامية؛ وخاصة ما يتعلق بالميراث وقضايا الأحوال الشخصية التي ورد فيها أدلة من القرآن والسنة قطعية الدلالة وغير قابلة للتأويل، والتي تؤكد على عدم المساواة ومنها قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ). ينطبق ذلك في الميراث، وشهادة المرأة، وعدم تعريض المرأة لبعض المهن الشاقة التي تؤثر على صحتها بحكم أنها تحمل وتنجب وترضع. كلام كهذا بالطبع لن يعجب بعض السيدات وأصحاب التوجهات النسوية، رغم إدراك الجميع أن له أسانيد واضحة في الشريعة الإسلامية لا يجوز الققز عليها، رغم وجود بعض الفتاوى التي اجتهدت في مسألة الشهادة وأحقية المرأة في الزواج دون ولي، وفتاوى أخرى أسقطت “قوامة الرجل” بدعوى أن المرأة تنفق من مالها على الأسرة، وبالتالي ضرورة أن لا تخضع لقوامة الرجل طالما أنها تكسب تمامًا كالرجل؛ ولأن مفهوم المساواة التامة بين الجنسين نبت في بيئة غربية ويتعارض في بعض جوانبه مع الشريعة الإسلامية، فإن مفهوم “العدالة” قد يكون الأنسب؛ فهو أكثر قبولًا ويتوافق تمامًا مع متطلبات الشريعة الإسلامية، بل إنه مقرر شرعًا؛ فالعدالة هي ضد الظلم والحيف، وتتجلى العدالة في منع جميع صور ظلم المرأة أو التعدي على حقوقها سواء جاء هذا الظلم من نصوص شرعية تم تأويله تأويلًا فاسدًا، أو من تقاليد وثقافة اجتماعية ليس لها أصل شرعي.

ويتطابق مفهوم “تمكين المرأة” مع مفهوم العدالة بصورة كبيرة، مع ضرورة تعريفه إجرائيًا أي “التمكين” ليشمل: توفير فرص التعلم والعمل للمرأة، وحريتها في الحركة والتنقل، وحريتها في الاختيار، وتوفير الحماية لها ماديًا ومعنويًا، مع الأخذ في الاعتبار النواحي الفسيولوجية والبيولوجية التي تتعلق بالفروق بين الجنسين والتي يتغاضى عنها دعاة المساواة؛ إذ ليس من المقبول مثلًا عمل المرأة في المناجم أو مهن أخرى شاقة تؤثر على صحتها في حين أنها لا تحدث ذات الأثر على الرجل؛ وذلك بسبب فسيولوجية جسم المرأة؛ فهي تحمل وترضع وتحتاج إلى رعاية صحية قد تختلف عما يحتاجه الرجل، وهي فروق بيولوجية يفترض عدم التقليل من أثرها ودورها.
وأخلص إلى القول: إن تمكين المرأة لا يعني المساواة بين الجنسين، بل العدالة في ضمان حصول المرأة على كامل حقوقها، وحمايتها من التعسف والظلم.

Related Articles

One Comment

  1. مقال رائع يوضح الفرق بين التمكين والمساواة.. وهو أمر مهم( يتغافل) البعض عنه ويستغله البعض الآخر لتمرير افكار غريبة.
    ختلف مع(الكاتب) في الاستشهاد بالاية( وليس الذكر كالانثى)، جاءت على لسان ( امرأة عمران) حيث كانت تريد ذكرا حتى يقوم بخدمة بيت الله تقربا لله، فرزقها الله الأنثى( مريم عليها السلام) فقالت معتذرة لله وليس الذكر كالانثى( في خدمة بيتك).. والله اعلم بما وضعت.

    والله اعلم..
    تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button