“لا شيء يعادل النوايا الطيبة”
توازت الجهود وتساوت بين الكثير من الأقران سناً وعلماً وقدراً، ويأبى الله إلا أن يميز أحدهم فيصنع له أثراً فيما بعده، وخيراً على من تبعه، وكأنه وفق تلك المعادلة فائز واحد في سباق واحد بمتسابقين كثر.
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، تلك قاعدة العطاء، وليست حكراً على دين دون أخر، أو ثقافة دون أخرى، إذ أن المعيار هو النفع ودافعية النفع نوايا موصلة إليه سائقة إلى بابه.
حين تتفحص “النوايا الطيبة” تجدها بجميع الثقافات توحي بذات المعنى وذات الأثر، وتدرك حينها زخم الحث، وها هو نجيب محفوظ في استهلال هذا المقال يجعلها قيمة تستعصي على المماثلة وتتمنّع في سباق المقارنات.
نصف الجهد نية طيبة، وربما أكثر من النصف، وهذا ما استقر فينا من حديث الحكماء وأمسيات الشعراء، بل ولن تجد غير هذا في قول الأمي، وتمتمات العامة في كل مجلس.
كثير من يتغنى بها، ويكتب عنها ويحدث في أثرها، وقليل هم من يحققها، ولذلك وجب تصحيحها في كل صباح والتأكد من سلامتها في كل عمل، والدعاء بها في كل حين.
قد نبتلى بنوايا سيئة، وهي طبيعة من طبائع الحال، فالنفس لها حظوظ، وللشيطان فينا مسالكه وأنفاقه، ويزداد نشاطاً فيمن حسُن مسلكه وصلح سيره، وما قد يصل به من عظيم الأثر وعموم النفع، وذاك هو أول الخلق مطلباً وأولاهم طلبآ، ولكن، لن نعدم حلاً ولن نفتقر لمخرج، ولا يدوم الحال إلا على من استعذب الاستسلام وخنع.
كما أن للسلوك إعادة توجيه من خلال الدوافع والتعزيز والتجاهل، وما يقتضيه من تحليل المعارف والمدركات، والتي بطبيعتها محرك لذلك السلوك، فالنوايا ليست ببعيدة عن هذا، فهي سلوك القلب وأعماله وهي خاضعة للمعارف والمدركات وكما أن السلوك يعالج بتفتيته وتحليله، فالنوايا تأخذ ذلك الحكم أيضا من خلال تفتيتها وتحليلها وتقرير ما يساعد في تنقيتها وتصريف ما يمنع ذلك.
الثراء مثلاً يُطلب من أجل عمارة الأرض، وكذلك يطلب من أجل البذل هنا وهناك، والإنفاق على من نعيل، ورسم ابتسامتهم، والاستغناء عما في أيدي الناس، وتحقيق أمنياتهم التي علقها فقده، هذا ما أعنيه بتفتيت الغايات وتقريبها وواقعيتها كذلك، وإلا سيبقى الكذب صفة مع تلك العبارة المستهلكة.
وفي الجانب الآخر تحوير النوايا من فاسدة إلى صالحة، فالثراء من أجل التفاخر والظهور يمكن تحويله إلى الإحسان ما استطعت، والاستغناء، والتنعم بما تراه نعيماً به،
وبهذا نحن مع النوايا في أحول، فمنها ما يستحق التعزيز، وهذه ما صلحت في أساسها، ومنها ما يسحق تصحيحها، وهذه ما فسدت في أساسها، ومنها ما يسحق تحقيقها، وهي ما كانت مجملةً نؤمن بها مسمىً وتنكرها قلوبنا حقيقةً وعملاً وسلوكاً.
ختاماٍ….. الوصول والنوايا كلاهما يحمل الآخر.