المقالات

يقين الشك

 

لا يوجد حقيقة إلا ما انتهى إليه الشك، وتلك “فلسفة” تقوم على ردم المعارف الحسية وكل ما هو في دائرة الموروث، وبما أن الشك هو الطريق الأوحد لتلك الحقائق فهذا يعني أن العقل هو صانع الحقيقة وإذا عرفنا المقولة المعززة عرفنا رواد تلك الفلسفة “انا أفكر إذاً انا موجود” أبو الفلسفة الحديثة “ديكارت”.

يعد هذا الأنموذج أي (الحقيقة بالشك) وتحفيز العقل والانقطاع عن عبثية التسليم أنموذج إسلامي بطريق أو بآخر، وهذا ما سنطوف حوله في قابل الأيام إن استقام لنا به قدر،

حاول الكثير تقنين عمل العقل، وربطه بالكثير من النقص، وخلق هوة تتعاظم بين النقل والعقل، والحقيقة أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وكلما أماتوا ضوء العقل أحياه الله، وها نحن نرى انتفاضات متتالية ضد تلك الرؤى بين الحين والأخر تقرب البعيد الشارد وتشرد القريب المارد.

إن لم يكن للنقل عقل يعيه ويدرسه، ويتفكر في ناسخه ومنسوخه وقطعيه ومتشابهة، ويوجدُ قاعدة صلبة لإسقاطه على الواقع، وتسييره بكل إتقان في هذا الكون، وتنشيطه من نص إلى حياة فمن يصنع؟!

(أفلا يتدبرون) (أفلا يتفكرون) (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) من الذي يجد؟ وكيف لعقل ناقص أن يجد؟ وماهي مقومات الحكم لدى أولئك المخاطبين؟

لم يُمنى العقل والنقل بعدوٍ كأولئك الذين حصروا هبة الله (العقل) في زاوية ضيقة، صنعوها هم بأنفسهم لإغفال عمله وإنهاء سيره، ولن نقول هذا تخبط في ضمائرهم، ولكن توصيفاً للجهل الكائن وكيف للجهل إذا امتزج بالغباء والسلطة أن يأدَ أمةً بأكملها وينهي حضارة كان من حقها العيش.

لازالت الزندقة والكفر أسهل إحلالاً على أحدهم من أي حكم آخر، وهذا الذي جز الأعناق في يوم من الأيام، ولم يكن ذنبه إلا أنه حقق الإيمان، وأثبت صلاحية التشريع وروعة الدين، ولكن بطريق لا يفهمه الحمقى ويستصعبه الجهلاء.

ربما الكثير من القدماء ممن تناولتهم ألسنة معاصريهم وأقلام تابعيهم بتلك التهم هم أول من يستحق الشكر، وهم كذلك من بارك الله بأيديهم توسيع دائرة الدين باتساع دائرة العقل، وكوّنوا إنعاش أحدهما بالآخر فاستقام رؤية صالحة للبقاء.

لا شك أنه من المواضيع الأكثر تحليلاً من قديم، وفيه الكثير من المقابلات والنقاشات، ولم أعمد للتأصيل في هذا الطباق المرّ، ولكن لنثر بعض التساؤلات المحفزة للبحث، أو ربما بوابة تدفعنا إلى العمق.

ختاماً….. للوصول للحقيقة طرق عدة ولكن، ليس بعد يقين الشك شك.

 

 

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button