د. عبدالله علي النهدي

السلحفاة ملسون

عندما كنا صغارًا كان آباؤنا يحكون لنا القصص الطريفة، التي تزخر بالحكم والمواعظ، وكانوا في نهاية القصة يشرحون لنا الهدف منها لكي تكون لنا مصباحًا نستنير به في المستقبل، وبدون أدنى شك فإن الكثير منا قد استفادوا من تلك القصص الرائعة، ولكن هناك في الجانب الآخر من لم يستفد أو يتعظ منها؛ حيث لم تترك في ذاكرته سوى مجرد قصص للثرثرة في المجالس، وقد كان من بين تلك القصص قصة السلحفاة الثرثارة التي عندما كبرنا عرفنا أن الغاية منها عدم تجاهل نصائح الآخرين؛ حيث يحكى أنه كانت هناك بركة بها ماء وفير، وتسكن بالقرب منها بطتان وسلحفاة، وبمرور الأيام جف ماء البركة ففكرت البطتان في ترك المكان، وعندما ذهبتا إلى السلحفاة؛ قالتا لها: «لقد عزمنا على ترك هذا المكان، وجئنا لنودعك؛ فشعرت السلحفاة بالحزن وقالت: كيف تتركاني هنا لوحدي، فقالت إحداهما: وكيف نأخذك معنا وأنت لا تطيرين؟ فردت البطة الثانية: عندي فكرة جميلة، وهي أن نحضر عودًا من شجرة وتتعلق السلحفاة به، ونقبض نحن على طرفي العود ونحملها معنا، ولكن احذري أيتها السلحفاة من الكلام أو حتى مجرد أن تفتحي فمك ونحن نطير. ففرحت السلحفاة بالفكرة، وطارت البطتان، والسلحفاة بينهما، فلما رأى الناس ذلك المشهد؛ اندهشوا، وقالوا: هذا شيء عجيب.. أتطير البطتان، وبينهما سلحفاة؟ فلما سمعت السلحفاة كلام الناس غضبت؛ وقالت: وما شأنكم أنتم؟! وبمجرد أن فتحت فمها وقعت على الأرض فلقيت حتفها، وكان ذلك جزاء من لا يستمع للنصيحة. من هنا نستشف أن للقصص القديمة فوائد كثيرة وعبرًا وحكمًا رائعة نقتدي بها في حياتنا، أولى هذه الفوائد أهمية طلب النصيحة قبل أن نقدم على كثير من الأمور سواءً كانت تتعلق بمصلحتنا الخاصة، وبالطبع تكون أكثر أهمية عندما تتعلق بمصالح الآخرين.

ورغم حساسية الحديث عن موضوع العمر وبخاصة للسيدات حتى قيل قديمًا: لا تسأل الرجل عن راتبه ولا تسأل المرأة عن عمرها؛ أم اليوم فأصبح الجميع رجالًا ونساءً يتحسسون من موضوع العمر، إلا أن الغريب في الأمر أن يأتي مثقف وأكاديمي يزحف كسلحفاة نحو العقد السادس من عمره ويتهكم على كبار السن؛ هذه الفئة الغالية على قلوبنا؛ فهم أصحاب الفضل علينا بعد فضل الله تعالى، هذه الفئة التي جعلهم الله لنا بابًا من أبواب الجنة؛ والمشكلة هنا ليست فيما يكتب هذا المثقف وأمثاله، فهناك وعي مجتمعي قادر على التصدي لهم في كل ما يمس العقيدة والوطن أو يمس حقوق أي فئة من فئات المجتمع؛ ولكن الخطورة تكمن في وجود أمثال أصحاب هذا التفكير السلبي في مواقع تربوية وأكاديمية مسؤولة عن صناعة فكر وبناء أجيال في أهم وأخطر مرحلة من مراحل العمر ألا وهي مرحلة الشباب، فهل نتوقع منهم أن يغذوا عقول أبنائنا بما يسهم في المحافظة على ترابط الأسرة وبناء المجتمع وتماسكه وتطوره ؟!

وفي الأخير أتمنى ألا تفهموا كلامي بالخطأ أو تسيئوا الظن فيما كتبت آنفًا كما أساء بعضكم الظن فيما كتبه غيري؛ فالأمر لا يعدو كونه مجرد أسلوب هزلي لجذب انتباهكم واهتمامكم لمقالي هذا، وإلا فالكل يحاول إيصال رسالته بشكل ودي للجميع بما في ذلك كبار السن مع الحرص التام على الاهتمام بمشاعرهم ودون أن نكدر عليهم صفو حياتهم، بل نحرص كل الحرص أن ينزل عليهم كلامنا كالبلسم الشافي، فنسأل المولى -عز وجل- لنا ولكم التوفيق والهداية والصلاح، وأن يرشدنا إلى الصواب فيما نقول ونعمل.

خير ختام:
قال رسول الله صلى الله وسلم: (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).

Related Articles

One Comment

  1. شكرا سعادة الدكتور على الرد المتقن وأسأل الله أن يحفظ كبار السن جميعا من كل سخرية وإستهزاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button