لست هُنا في معرض حسابِ الأرقام، لأن علاقتنا فوق الأرقام، ومودَّتنا فوقَ العوائد التجارية، وما يجمعنا أعظمُ من المنافعِ الإِقتصادية. لا نحسبُ لقاءتنا بالأرقام ولا يجبُ أن نستفتحَ ذلك، فهي فوقَ النِّسب، وأعظمُ من قيمة السِّلع، فما يجمعنا نحنُ العمانيون والسعوديون ببعضنا البعض أنَّا كيانٌ واحدٌ، نتسلسل من منبعٍ واحدٍ، فالأصلُ هو ركننا الركين، والدِّين هو عمادُنا المتين، ونحن لسنا أُمَّتان، بل نحنُ أُمَّةٌ واحدةٌ، لها مصيرٌ مشتركٌ، وطموحٌ متوافقٌ، وطريقٌ في عمومهِ واحد.
لا أريدُ أن تسحبَ منَّا الأرقام ما هو أعظم وأميزُ منها، وهو الوجدانُ العاطفي الذي يوحِّدنا، قبل أن نفكِّر في أي أمرٍ من أمرِ المصالحِ المشتركة بلغةِ الأرقام، كما أن الأُخوةِ لا تجمعهما المصالح المادية، وإنما العلاقة الحميمية، والعاطفة المشتركة، أما المصالح فهي تتبعُ ذلك؛ فهي نتاجُ المحبة، والألفة، وهي في طبيعتها بين ازدهار وانكماش لأنها رهينة للمتغيرات، أما العلاقة الأخوية الأصيلة فهي الثابتُ المشترك بيننا.
هكذا نحنُ العمانيون والسعوديون، كما نلتقي دائماً نحنُ الأفرادُ، وكما نتحدث، نتبادلُ المحبَّة، وكلمات الثناء المعبِّرة عن الودِّ الصادق الذي نكنُّه لبعضنا البعض، وهكذا هي قياداتنا التي هي منَّا وفينا، تعبِّرُ أيضاً -كما نعبِّرُ نحن- عن مدى ما نحتفظُ به من صدقِ العاطفةِ، وعظيم الودِّ نحو بعضنا البعض.
هي العلاقة التكاملية التي نسخِّرُ فيها أميزَ ما وهبنا اللهُ من نعم، ومقدرات، ومواهب، وإمكانات، لنصنعَ منها قوةً ذات مَكَنةً لإحداث التغيير، وطاقةً وقَّادةً ذات حِراك عتيدٍ للمضيِّ نحو المستقبل ببصيرةٍ واعية، وعقلٍ مستنيرٍ، وهمَّةٍ عظيمة. العلاقة التكاملية هي التي تجمعنا لنصنعَ اتحاداً قادراً على استثمار القدرات والطاقات التي يمتلكها كل طرفٍ فينا على منهاجٍ من البصيرةِ والحكمةِ والسياسة المستنيرة.
هكذا يتوثَّبُ الأميرُ الشَّابُ خُطاهُ إلى عُمان يحملهُ الحبُّ والتقديرُ لسلطانها ولشعبها، ويقابلهُ السَّعدُ في قلوبِ أبنائها، والترحابُ من كل شبرٍ فيها، وسيكتبُ التاريخُ ما يفخرُ به الشَّعبانَ الشقيقانِ للزيارة التاريخية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد حفظهما الله.
زيارةٌ تُعلي شراعَ العزيمةِ للمضي قُدماً في عالمٍ متلاطمِ الأمواج، عاصفِ الرياح، مدفوعةً بالرَّغبةِ العميقةِ لرسمِ صورةٍ أفضل لمستقبلٍ أكثرُ إشراقاً، ومستثمرةً الفرص المتاحة في كِلا القِطرين الشقيقين. وحينما تتحركُ القاطراتُ، وتهدرُ الماكينات، وتتدفق الطرقات، تبدأُ الصورة المرسومة في التَّشكُّلِ شيئاً فشيئاً، وعندئذٍ يجني الشعبان المليئان بالمحبة نحو بعضهما البعض قِطاف هذه الزيارات الفخمة التي تأتي محمَّلةً بالخيرِ والبركة.
إنها صفحاتٌ مضيئةٌ في التاريخ، وخطواتٌ وثَّابةٌ، سيكون لها وقعها المثمرُ قريباً بإذن الله تعالى، فأهلاً بسموِّ الأميرِ الطموحِ، صانعِ التغيير، محمد بن سلمان، دافعاً بعزمهِ الأكيد العلاقات المتميِّزة بين البلدين، ورافداً للقرارات الجريئة التي تشكِّل واقعاً أجملَ في سيرة العلاقات العمانية السعودية المتميِّزة.
———————-
• كاتب وشاعر وإعلامي عُماني.