المقالات

امتهان التسوَّل الرقمي

كنتُ قد تحدثت في مقال سابق بعنوان “تأثير الإعلام الجديد على الروح المعنوية” عن ما طرأ على الإعلام من تغيرات وظيفية كبيرة؛ نتيجة الثورة المعلوماتية الرقمية، والتي غيّرت في كثير من المفاهيم والأمور الأساسية التي يرتكز عليها الإعلام التقليدي أثناء الإعداد والتنفيذ، ومنها إمكانية صُنع محتوى عبر منصات الإعلام الجديد بتكلفة مالية قليلة وقيود رقابية منخفضة، عن ما هو موجود في الإعلام التقليدي؛ وذلك بهدف الحصول على عوائد مالية كبيرة وضخمة شريطة أن تكون نسبة المشاهدة للمحتوى المُقدم عالية وكبيرة، الأمر الذي جعل الكثير من الأشخاص يمتهنون الإعلام الجديد؛ وذلك باستخدام منصاته، بغية الحصول على المال من خلال تحقيقهم للمعيار والشرط المتعلق بالمشاهدة، لكن ما أقلقهم وأثار حفيظتهم هو ظهور بعض الصعوبات والعوائق، والتي تكمن وتتضح في كيفية الاستمرار والحفاظ على هذه الشهرة البسيطة والمتواضعة في ظل الفقر الشديد لصناعة المحتوى، مما جعلهم يلجأون إلى تقديم محتويات لا ترتقي بالمشاهد، الأمر الذي ساعد في شيوع وانتشار مصطلح “التسوَّل الرقمي”، والذي لا يختلف كثيرًا عن التسول التقليدي، والذي يعد ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد استقرار وتنمية المجتمعات، ومن أشكاله وأساليبه البكاء والعويل من أجل جذب الناس بافتعال حادثة ما، بالإضافة إلى استغلال الأطفال واستخدامهم في عملية جذب الناس .. وغيرها، وعلى سبيل التوضيح : هناك من وصل به ضُعف الحال إلى التحدث بسوء وفضح علاقته الزوجية ونشرها عبر تطبيقات التواصل غير مبالٍ بالعادات والتقاليد والقيم المجتمعية، مستعرضًا مشكلاته الأسرية والتي تتمحور حول انفصال مؤقت وطلاق وزواج من امرأة أخرى؛ وكأن شأنهم أصبح شأنًا مجتمعيًا وجب علينا كمشاهدين معرفته، وهناك من تجرد من المبادئ والقيم الإنسانية؛ وذلك من خلال الحرص على تصوير الأطفال في أوضاع مخله غير تربوية، خادشة للحياء؛ بهدف الحصول على المشاهدات، وفي كثير من الأوقات يظهر على الأطفال الانزعاج من هذه التصرفات غير المسؤولة وغير الأخلاقية؛ والتي تعتبر جريمة مجتمعية في حقهم، وهناك من جعل من حياته ثمنًا زهيدًا، وذلك من خلال اختلاق قصص تمثيلية كاذبة بشكل يومي، كوقوع حادث لإحدى قريباته فينطلق مُسرعًا باكيًا إليها للاطمئنان عليها، وهو في قمة حزنه وألمه وبكاه؛ ينقل لنا ذلك عبر تطبيقات التواصل؛ بهدف الحصول على المشاهدات، وهناك من أهان زوجته وقلل من احترامها وتقديرها بحجة أنه مقلب كوميدي ساخر، حقيقة هناك الكثير من التصرفات والأعمال المؤلمة والمزعجة والتي لا يتسنى لي ذكرها في مقالٍ واحد، ونتيجة لهذا العدد الكبير من التصرفات غير المسؤولة وغير الناضجة أود أن أختم مقالتي بثلاث رسائل تربوية تعليمية موجهة إلى:
1. الجمهور
ادعموا من يستحق الدعم، واعرضوا عن الجاهلين والعابثين، أميتوا الباطل بالسكوت عنه وبتجاهله وبتجاوزه، وفعّلوا دور الرقابة المجتمعية على كل محتوى يخلو من القيم الإنسانية؛ وذلك بالقيام بتقديم هذه الأعمال وتوصيلها إلى الجهات المختصة لتنفيذ العقوبات الصارمة بحقهم؛ فبذلك تجبرهم على تقديم محتوى ترفيهي وهادف يليق بذائقتك، دون الإخلال بالمنظومة المجتمعية، حان الوقت للتوقف عن ترديد “لا تجعلوا من الحمقى مشاهير”، حان وقت تطبيقها.
2. الجهات المختصة والمسؤولة:
دوركم واضح وجليّ في القضاء على هذه العينات التي تبث سمومها الرقمية، وكل ما أرجوه وأتمناه، هو الاستمرار والمتابعة من خلال التفاعل مع كل أمر خارج عن المعايير والقيم المجتمعية الموجودة، وفرض العقوبات الصارمة لكل شخص أساء استخدام هذه المنصة بأن يُبعد عن استخدامها فترة مؤقتة، وفي حال تكرار الفعلة يُبعد بشكل نهائي عنها.
3. إلى المؤسسات التي تدعمهم.

التسويق لمؤسستك حق مشروع، لكن جُل ما أريد أن تحققه هو اختيارك للمُعلن بعناية فائقة من خلال متابعتك لمحتواه، فدورك مُهم وأساسٍ في التطوير والتنمية، والقضاء على هذه المحتويات غير الهادفة والمُدمرة للقيم والعادات المجتمعية والمنافية لديننا الإسلامي، فاختياركم يوضح مسؤوليتكم تجاه هذا المجتمع الذي تنتمون إليه، كما أن استمراركم في اختيار الشخص غير الكفء للإعلان عن منتجاتكم؛ سوف يؤثر بشكل كبير على سُمعتكم المؤسسية.

Related Articles

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button