المقالات

فرفش شوية

بعث لي صديق مقطع فيديو مُذيَّل بهذا التعليق (فرفش شوية)، ومرفق معه وجوه ضاحكة، وكنت وقتها فعلًا أحتاج للفرفشة عن نفسي، ففتحت الفيديو وليتني لم أفتحه، لأن النتيجة كانت عكسية جعلتني أشعر بالاستياء والضيق مما شاهدت وسمعت؛ لأن الفرفشة المزعومة كانت عبارة عن مقلب خالٍ من الأدب والاحترام وغير لائق فعله مع الوالدين الذين قرنهم ربنا به في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
والإقران يعني الترتيب ويبين أن ترتيب الوالدين يحتل المترتبة الثانية بعد الله، فهل يليق بمن قرنهم الله به أن يكونا موضعًا للفكاهة؟! كما حصل في هذا الفيديو الذي طلب فيه مقدم المقلب من شاب مهاتفة أبيه ليخبره أنه في المطار مع حبيبته، وهما على وشك السفر إلى مدينة أخرى لإتمام زواجهما هناك، وكان برفقة مقدم المقلب شاب يجيد تقليد صوت فتاة؛ فجعله يكلم أبا هذا الشاب مرة على أنه حبيبة ابنه، ومرة على أنه أخوها؛ وذلك من أجل حبك المقلب على الأب المسكين الذي فقد أعصابه وصعق وانزعج من هذا الخبر المفزع كما ظهر على صوته وردة فعله الغاضبة في الفيديو؛ فهل هذا مزاح بالله عليكم يليق بمنزلة الوالدين وقدرهما أم هو كذب وإدخال الخوف والفجيعة والقلق والتوتر والأذى في قلب الوالدين؟!!

وهناك فيديو آخر مماثل شاهدته سابقًا، وكان أيضًا عبارة عن مقلب ابنة في والدتها تخبرها بالهاتف أن شابًا قابلها في السوق، وهو بجوارها وطلب منها الزواج، ولأن هذا الفعل غير مقبول شرعيًا ولا حتى اجتماعيًا؛ فما كان من الأم العظيمة إلا استهجان هذا الموقف الذي لا يتفق مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وطلبت من ابنتها العودة فورًا إلى المنزل.
وآخر يمقلب أبيه على أنه مقبوض عليه في قسم الشرطة بسبب تحرشه ببنت ومطلوب منه دفع مبلغ وقدره خمسمائة ألف ريال للبنت من أجل الإفراج عنه، وكانت المحصلة من هذا المقلب أن يكون الأب أضحوكة للمشاهدين، وأن ينهال على ابنه بالسب والدعاء عليه، ودعاء الوالدين للولد أو عليه مستجاب قال الرسول -صلى الله علية وسلم-: “ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن‏:‏ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده‏‏” .

لا شك أن إدخال السرور على الوالدين أمر محمود ويؤجر عليه الأبناء، من خلال المزاح المحترم وانتقاء الألفاظ والأفعال الجميلة، وعدم تجاوز حدود الأدب أو التخويف والقلق والفجعة في قلوب الآباء والأمهات، وأساسًا لا يليق إطلاق مصطلح المقلب مع من قرن مرتبتهم به سبحانه وتعالى.

أكاد أجزم أن مقاطع الفيديو تلك وما على شاكلتها، يتم تداولها كالعادة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذلك وصلتني عندما حوَّلها لي صديقي، ومن هذا المنطلق؛ فإني أنصح بعدم تداول أي مادة سواءً كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية تدعو إلى الضحك على الوالدين؛ فمن العيب ولا يجوز أن أجعل والدي أو والدتي أضحوكة ومادة للسخرية يشاهدهم الملايين ويتسلون بهم.
ولأن انتشار تلك المقاطع سيساهم في محاكاتها واستمرائها من أبنائنا، فلا أستبعد في أحد الأيام أن يطبق ابني أو ابنك معنا هذه المقالب، والأهم من ذلك كله أخشى أن تنعدم هيبة ومكانة الوالدين في نفوس الأبناء، وننسى أن الله قد وصانا بوالدينا ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾.

————————————

مستشار أسري واجتماعي
ماجستير خدمة اجتماعية

Related Articles

3 Comments

  1. مشكور ابا حسن. موضوع يستحق التوعيه تجاهه. للأسف قلة الوازع الديني من صغار السن وطمعاًفي الشهره…..

  2. وسائل التواصل الإجتماعي كثير منها ، للأسف ، تحوي على سخافة لا تليق إما في الدين والمعتقد ، لا سمح الله ، وإما في الأخلاق والآداب العامة ..وغير ذلك ، دون مراعاة للنتائج حسبنا الله ونعم الوكيل . جزاكم الله خيرا اخي الكريم الأستاذ عبدالرحمن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button