لم تكن محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في السابع من نوفمبر الماضي إلا حلقة جديدة في محاولة ترسيخ الهيمنة السياسية لإيران وأتباعها في العراق، وبدت الميليشيات المسلحة بعد الهزيمة المدوية للأحزاب السياسية التي تمثلها في الانتخابات العراقية الأخيرة، عازمة على تغيير قواعد اللعبة، والتمادي في فرض سطوتها على البلاد وسلطاتها وقوانينها، كون المستهدف هذه المرة هو رأس السلطة التنفيذية.
يمثل العراق محور الاستراتيجية الإيرانية وتحركها الخارجي؛ فهو في التصور الإيراني هو جزء من الامتداد التاريخي والجغرافي والمذهبي لإيران، وبالتالي أن بقاء العراق بعيدًا عن السيطرة الإيرانية يعني عزل إيران عن أماكن التواجد الشيعي في كل من سوريا، وجنوب لبنان وتأخرها في نشر ثورتها المزعومة.
كان الرهان الإيراني أن شيعة العراق هم أكثر ولاءً لإيران، وأكثر تجاوبًا مع توجهاتها الإيديولوجية والمصلحية من ولائهم لحكوماتهم الوطنية، وكذلك المراهنة على أن وجود الحوزة الدينية في النجف سيسهل من فرص اندماج وتبعية حوزة النجف إلى حوزة قم، وبالتالي الاستفادة من نفوذها الديني في تصدير فتاوي وقرارات تخدم المصلحة الإيرانية.
لذلك أولت إيران أهمية خاصة لمدينة النجف وكربلاء، واعتبرت أن سيطرتها على هذه المدينة وتحويلها إلى قبلة للشيعة في العالم يسمح لإيران بمزيد من النفوذ لدى الطوائف الشيعية الأخرى المنتشرة في بعض الدول.
فلهذه كان العراق القوي هو حجر العثرة الأساسي أمام امتداد النفوذ الإيراني إلى الخليج والعالم العربي؛ لذلك وما أن سقط نظام الرئيس الراحل صدام حسين إثر الغزو الأمريكي عام 2003، حتى سارعت طهران لاستغلال هذه الفرصة التاريخية، لتصفية الحساب مع خصم لدود، حاربها لثمانية أعوام متتالية، مستغلة الإدارة غير الرشيدة لعراق ما بعد صدام حسين، وتحديدًا، قرارات بول بريمر بحل الجيش العراقي واجتثاث البعث، وبناء أطر وهياكل عسكرية وأمنية جديدة، لم تصمد أيامًا في وجه زحف داعش على الموصل والمحافظات الغربية عام 2014.
بدأت إيران بدعم ميليشيات مسلحة تتبع فصائل شيعية، وتحت شعار “مقاومة الاحتلال الأمريكي” انتفخت هذا الميلشيات وباتت قوة تعادل قوة الدولة الناشئة، واختلط السياسي بالمليشيوي في تركيبة الطبقة السياسية العراقية الجديدة…وبعد فتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها السيستاني لصد زحف داعش في العراق، نشأ الحشد الشعبي، المكون أساسًا من الأحزاب والمليشيات ذاتها، وتحول إلى قوة ضاربة (170 ألف مقاتل) كاملي التسليح والتدريب، ونجحت إيران في ضمان ولاء وتبعية عدد من فصائله الأساسية، ليشكل قاعدة ارتكاز للنفوذ الإيراني.
ليس من الحصافة بشيء، إغماض الأعين عن اتجاه متراجع لنفوذ إيران وكياناتها الموازية في العراق منذ 2019 خاصة في مناطق الحاضنة الشيعية التي طالما ادعت إيران وكياناتها أنهم قادمون لرفع المظلومية عنهم وحماية مصالحهم؛ فاكتشفوا بعد سنوات أنهم ليسوا أكثر من وقود يُحرق لمصالح إيران وأتباعها.
الأمل لدى المواطن العراقي بكل طوائفه أن تأتي نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، بحكومة تواصل ما بدأه مصطفى الكاظمي من انفتاح على الجوار العربي، وسعي لاستحداث التوازن في علاقات العراق الإقليمية والدولية.
الحشد الشعبي الذي سجل خسارة مُذلّة في انتخابات 2021، لن يستسلم بسهولة وسيقاوم بكل الطرق المشروعة – والأغلب أنها غير المشروعة- هذه النتائج حيث إنه ليس مستبعدًا أن يقوم البرلمان العراقي القادم -إذا استطاع أن يقوم بعمله باستقلالية – بطرح مشاريع قوانين تتصل بمستقبل الحشد وتركيبته وارتباطاته وتمويله وإعادة هيكلته ودمجه.
فهل ينتصر الصندوق أم نعود لمرحلة نوري المالكي وإياد علاوي؛ حيث فُرض الأول رغم فوز الثاني بالأغلبية في انتخابات 2010 الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
——————-
أكاديمي متخصص بالاتصال الجماهيري السياسي