كنت أتجوَّل بين تغريدات “تويتر” حين استوقفتني تغريدة من تربوي كريم يتساءل عن حل لمشكلة الآباء الفضلاء الذين بذلوا الجهد لتربية أبنائهم على القيم والمُثُل العليا، وأنها سبيلهم الممهَّد للنجاح في حياتهم وتحقيق طموحاتهم بمشيئة الله، في حين أن هذا الجيل يرون بأعينهم أن من ينسف هذه القيم في شبكات التواصل الاجتماعي يحصل على ما يريد، ويحقق ما يتمنى سريعًا!
أثارت هذه التغريدة قلمي؛ ليناقش قلوب وعقول الشباب والفتيات أمام هذا الطوفان الهادر من الإسفاف الذي يرونه في شبكات التواصل الاجتماعي، ويكون الطريق الأسهل للشهرة والمال، ويطيب لي أن أسمي هؤلاء (مشاهير الفقاعات)؛ لأن الفقاعة تبدو لنا بحجم كبير، وهي في حقيقتها فارغة وضعيفة، سرعان ما تنفجر وتنتهي.
يا بني: ربما لفت نظرك ما يحققه مشاهير الفقاعات من مشاهدات، ومتابعين، وإعلانات تدر عليهم المال الوفير. لا شك أنك تراها مكاسب عظيمة، لكن لنحدد معًا ماذا خسر مشاهير الفقاعات بالمقابل؟
لقد ارتكب هؤلاء خطايا ومعاصي بل وقد جاهروا بها؛ ليحصلوا على ما حصلوا عليه، وأي قيمة لعدّاد المشاهدات في مقابل ميزان السيئات؟ وقد قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين) ذلك أنهم يجرؤون الناس على الذنب، ويهونون حرمته في قلوبهم والعياذ بالله، فلهم وزر أنفسهم، ووزر من اقتدى بهم إلى يوم القيامة.
ولا يخفى عليك يا بنيّ شؤم المعاصي على صاحبها من ضيق وكدر، بل إن واقع هؤلاء الذي تفشى من وراء شاشاتهم أثبت أنهم يتصنعون السعادة، والحب، والرضا، وهم أبعد ما يكونون عنها في الحقيقة.
هل أعجبتك يا بنيّ شهرتهم الواسعة؟ لا تغرنّك شهرتهم؛ فلقد كان فرعون أشهر منهم! ليس مهمًا للشخص أن يكون معروفًا، بل بِم أصبح معروفًا؟ اشترِ السمعة الطيبة يا بنيّ أما المتابعون فغدًا يتبخرون، وتبقى لك سمعتك الذي صنعت بيديك!
يا بنيّ إن أعداد متابعي شبكات التواصل فتنة، وهم لك أو عليك، لا يحزنك أن من يقدم محتوىً نظيفًا راقيًا وعدد متابعيه لا يُقارن بعدد متابعي مشاهير الفقاعات، فوالله إن متابعًا واحدًا يتابعك ليستفيد منك، فتجده يحترمك، ويحبك، ويدعو لك، وتحتسبه في ميزان حسناتك، خير لك من مئة ألف متابع يتابعك؛ ليتطفل على يومياتك، أو ليتصيَّد زلاتك، فتراه يحتقرك، ويسبك، ويتنمر عليك، لأنك في عينه لست أكثر من فقاعة ستنفجر إن عاجلًا أو آجلًا. أما سمعت يا بنيّ قول الله -جل وعلا- في سورة الرعد (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17)
توقّع معي كيف سيرى كل من مشاهير الفقاعات نفسه بعد عشرين عامًا من الآن، بعد أن تنفجر فقاعته، ويغادر متابعوه هذا التطبيق إلى غيره، وينسوه، ويلتفوا حول فقاعة جديدة، وتمر به السنوات ليجد نفسه مع تقدم عمره أصبح أكثر وعيًا، ويُعيد مراجعة محتواه، هل تتوقع يا بنيّ أن يحترموا أنفسهم؟ أو هل سيفخر بهم أبناؤهم ويحترموهم ويشكروهم على ما جمعوه لهم من مال بهذه الطريقة المهينة؟ أم تتوقع أن يذوب في ثيابه خجلًا من نفسه، ومن أبنائه، وأسرته؟
بمقارنة سريعة بين ما كسب هؤلاء على المدى القريب، وبين ما خسروه في حاضرهم ومستقبلهم، سنجد يا بنيّ أنهم خسروا الكثير والكثير، وأنهم أصبحوا مساكين يستحقون منا الدعاء لهم بالهداية، وأن الإعانة على الانشغال بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
أما أنت يا بنيّ فلا تُعِن الشيطان على إخوانك وأخواتك مشاهير الفقاعات! لا تكن عددًا في حسابهم يزيدهم فتنة وإسفافًا وتهريجًا وبُعدًا عن الحق، وتابع من يصنع لك المحتوى الذي يليق بك، وكن عددًا في حسابه يشجعه على الاستمرار والعطاء.
—————————
مدربة، مشرفة تربوية
سبحان الله بعد هذا المقال .. تمنيت الجرائد الورقية أن تعود لتنير فكر أولادنا وتبدد ظلمة وسائل التواصل الاجتماعي المفتقدة للرقابة الذاتية والمجتمعية..
هناك العديد من الإضاءات المهمة جدااا في هذا المقال .. واللتي نتمنى من الإعلام تبنيها لرفع الوعي المجتمعي وأن تستضيف شخصيات مؤثرا ايجابا بدلا من مشاهير الصدفة.. كذلك المؤسسات الاجتماعية والتعليمية وداخل الأسرة ايضا عليها مسؤولية كبيرة..
مقال أكثر من راااائع و وقفه مهمة يجب أن يقف الشاب والمراهق لتأملها قبل ضغط زر الاضافة لاي مشهور…