استضاف قصر الدرعية في الرياض الليلة البارحة اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الثانية والأربعين برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وبدأت النتائج الإيجابية لهذه القمة تلوح في الأفق مبكرًا خلال جولة سمو ولي العهد الخليجية التي هيأت لنجاح القمة، وحظي سموه خلالها باستقبالات رائعة من إخوانه قادة دول الخليج، وصدر بعدها بيانات تؤكد الحرص على تعزيز العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول الخليج العربية؛ وهو الأمر الذي يسهم في تعزيز عمل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها من المجالات.
وقد تضمن البيان الذي صدر في ختام أعمال القمة الثانية والأربعين ما يؤكد قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين دوله، والرغبة في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، بما يحقق تطلعات مواطنيه، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي دولة من دول المجلس.
ورشَحَ من البيان الختامي استمرار نهج المجلس في بحث جميع الأمور التنظيمية لتعزيز عمل المنظومة، والاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وكذلك بحث القضايا التي تهم دول المجلس في محيطَيه العربي والإسلامي، وهو ما جرى عليه مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه؛ حيث اشتمل البيان على الموقف الموحد من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والموقف من الأوضاع في كلٍّ من اليمن والعراق، وسوريا ولبنان، وليبيا وتونس، والسودان وأفغانستان والعلاقات مع إيران، واحتلالها للجزر الإماراتية وتدخلاتها في المنطقة، ومواصلتها الدعم للأعمال الإرهابية والتخريبية في البحرين، وللجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، وكذلك تأكيد الموقف الموحد تجاه الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران وأعمالها العدائية تجاه المملكة، إضافة إلى الأمن المائي للسودان ومصر.
وبرز في البيان الاهتمام بمضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، واستكمال ما تبقى من خطوات لقيام الاتحاد الجمركي، والتنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، وصولًا إلى الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس بحلول عام 2025م، وإنشاء الهيئة الخليجية للسكك الحديدية، وتحقيق الأهداف المنشودة لتعزيز التكامل الدفاعي والأمن الجماعي المشترك بين دول المجلس؛ للحفاظ على أمن وسلامة دول المجلس وأراضيها وأجوائها وبحارها، وتأمين سلامة وأمن الملاحة البحرية.
كما برز التأكيد على أنّ أمن دول المجلس كلٌّ لا يتجزأ، وأن مواقفه وقراراته ثابتة تجاه الإرهاب والتطرف أيًا كان مصدره.
ومن إشارة البيان إلى الشراكة الاستراتيجية مع كلٍّ من المغرب والأردن، والترحيب بنتائج الاجتماع الوزاري المشترك بين المجلس ومصر يتضح استمرار النهج في العمل مع الدول الشقيقة لتحقيق تطلعات شعوبها.
كل تلك المواقف الثابتة والموحدة التي اشتمل عليها البيان الختامي للمجلس في دورته الثانية والأربعين تجاه الأحداث الجارية في المنطقة تؤكد ثبات الأهداف التي أنشئ المجلس لتحقيقها، وعلى الرغم من بعض الغيوم التي تلبدت في سماء العلاقات بين بعض دول الخليج إلا أن المجلس استمر في عمله إلى أن انقشعت تلك الغيوم ـ بفضل الله ـ ثم بفضل حكمة قادتنا وحرصهم على وحدة الصف، وعادت العلاقات لمسارها الطبيعي تحقيقًا لرغبة قادة دول المجلس وشعوبها في استمرار هذه المنظومة المثالية التي تسير الآن بخطوات واثقة نحو تحقيق رؤية الملك المفدى المستقبلية للمجلس.
***********
ونقطف من شعر المهلب بن أبي صفرة قوله:
كونوا جميعًا يا بني إذا اعــترىٰ
خـطـب ولا تـتـفـرقـــوا آحــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افـترقــن تكـسـرت أفــرادا