قد نكون جميعنا متفقين على أن (الخطوط الحمراء) بمفهومها العام تعني الحذر من أمر ما أو منعه من الحدوث، ومن المؤكد أيضًا أن الخطوط الحمراء هي في الغالب شيء معنوي في الذهن، وهي ليست موجودة على أرض الواقع، فأنت لا تجد خطًا أحمرًا واضحًا أمامك يمنعك فعليًا من الكلام في موضوع ما ولا تجد خطًا أحمرًا يمنعك فعليًا من التصرف بطريقة معينة، إذًا الخطوط الحمراء هي حاجز وهمي يوجد في أذهاننا، ويسكن في عقلنا الباطن؛ بحيث نستدعيه في كل مرة إما لضبط أنفسنا ومنعها من تجاوزه أو لضبط الآخرين، ومنعهم أيضًا من القيام بأمور غير محببة تجاهنا ..
والخطوط الحمراء لا تنشأ من توجه موحد في السلوك الإنساني بل تختلف باختلاف كل فرد واختلاف بيئته ونشأته وثقافته، فالسلوك المحفز للخط الأحمر عندي قد يكون سلوكًا عاديًا ومقبولًا لدى غيري، ولا يستدعي منعه بخط أحمر ..
والتساؤل يأتي هنا عن الخطوط الحمراء ودورها في حياتنا هل هي شيء إيجابي ونافع للفرد أم أنها عائق وحاجز يمنع الإنسان من تحقيق أهدافه؟
في رأيي أن الجواب يحتمل الجانبين، فالخطوط الحمراء فعالة وقوية ودافع قوي للنجاح إذا رسمناها، وأرسينا مفاهيمها في مكانها الصحيح. كما أنها قد تكون عائقًا مدمرًا إذا أصبحت كثيرة تُحيط بصاحبها كالطوق الذي يقيده، ويمنعه من خوض أي تجربة قد تعود عليه بالنفع ..
ولنركز أولًا على خطوط “النجاح” الحمراء، هذه الخطوط بالنسبة للمبدع والناجح هي بمثابة الحماية والحاجز المتين الذي يمنعه من الانزلاق إلى عالم الفشل والإحباط، وفي رأيي أن الناجح والمبدع والمنجز قد أصبح في هذه المكانة بسبب هذا النوع من الخطوط الحمراء التي ربما تشكلت لديه في عقله الباطن من غير قصد منه بسبب رغبته القوية في النجاح وفي تحقيق شيء مميز في حياته، فإن المنجزين المثابرين على سبيل المثال تجدهم دائمًا يضعون خطوطًا حمراء لكل ما يتعلق بالوقت فلا يضيعون أوقاتهم فيما لا ينفع أو لا يدفعهم إلى تحقيق أهدافهم،
وكذلك نجد المبدعين والمبتكرين يضعون خطوطًا حمراء لكل ما يمنعهم من الاستمرار في البحث والابتكار، واستكشاف الحياة ..
والناجحون في العلاقات الإنسانية لديهم أيضًا خطوط حمراء لكل ما يتعلق بعلاقاتهم سواء على مستوى الأسرة أو الصداقات أو العمل؛ فهذا النوع من الناس قد نسمع منه عبارة “أنا عائلتي (أو أصدقائي) بالنسبة لي خط أحمر” وهذا يعكس المكانة الكبيرة لأسرته أو أصدقائه لديه، وهو بذلك يضع التزامه معهم فوق التزاماته الأخرى ..
ومن علامات نجاح الإنسان أيضًا أن يضع خطوطًا حمراء لكل ما يُخالف الفطرة من الأقوال والأعمال والمعتقدات؛ وذلك لوعيه بأن هذه المنزلقات تحتاج خطوطًا حمراء صارمة تمنعه من مضرة نفسه أو مضرة غيره ..
ولكن متى تكون الخطوط الحمراء قيودًا تمنعنا من التحرك نحو النجاح والإنجاز؟
يحدث أن تتحول الخطوط الحمراء إلى أدوات تقود الفرد إلى الفشل؛ وذلك على سبيل المثال: إذا انغلق على نفسه ووضع عوائقًا لأي نوع من التواصل بشكل فعال وبناء العلاقات المثمرة مع الآخرين، أو أن يضع خطوطًا حمراء تمنعه من خوض تجربة جديدة سواء على المستوى الشخصي أو في مجال عمله أو من تغيير نمط حياته أو عاداته اليومية، وقد يؤثر ذلك عليه تأثيرًا سلبيًا كأن يشعر بالغضب أو الإحباط في حال تعرض لموقف يجبره على تغيير روتينه الذي اعتاد عليه وقيد نفسه به؛ لذلك راقب خطوطك الحمراء التي تقبع في عقلك الباطن فهل هي من النوع الإيجابي الذي يدفعك للنجاح ويمنعك من الاندفاع إلى عالم الفشل والتخاذل، أو أنها من النوع السلبي الذي يقيدك ويمنعك من استكشاف المزيد من الجمال والمتعة في هذه الحياة؟