المقالات

قراءة في ” فكر الفقر .. وفقر الفكر “

? جمعان البشيري 

لفت انتباهي بشدة عنوان أحد الكتبفقر الفكر ..وفكر الفقروهو محور أنبثق منه عرض الفكرة لمقالي ؛ بل أنه يمكننيالقول: إن العنوان وحده أثار بداخلي أفكار كثيرة لأول وهلة وقعت عيني عليه ، ما دفعني لتصفح الكتاب ومن العجيب اثناء ذلك عندما عرجت على نبذة تعريفية لمؤلف الكتاب الدكتور يوسف إدريس الذي تخصص فيالطب، لكنه برع فيالكتابات الأدبية المختلفة من قصص ومسرحيات وروايات وغيرها ..!

وهذا ما زادني تشويقاً وإثارة للغوص والتعمق بين القراءة العابرة والمتعمقة حيناً آخر ..

الكتاب في مجملة يتضمن عدداً كبيراً  من المقالات، تختلف في موضوعاتها إلاّ إن مجملها تسير في سياقٍ واحد ، و هو رصد لملامحفقر الفكروفكر الفقرفي المجتمع ..!

في التقديم أشار د. إدريس إن الحديث عنفقر الفكروفكر الفقرمشروع ظل يراوده سنوات ليكتب عن فكرته متتبعاً ما وصلت له حياة الناس من حوله ليكتشف خلال متابعته الدقيقة للحال طوال ثلاث سنوات تقريباً إن المجتمع يسيربأفراده في حلقة مفرغة من الأفكار التي تؤدى لفقر في الحياة ، والإنتاج ، ومن ثم فقر فكري ، وهكذا دواليك في جميع شؤون الحياة ..

طرح د . إدريس السؤال عن طريق النجاة للخروج من دائرةفقر الفكر .. وفكر الفقر “، وربط د. إدريس الإجابة والحل بتخصصه كطبيب ؛  فالطب يقول : أن التشخيص هو ثلاثة أرباع العلاج؛لكنه في حال مجتمعنا هو العلاج نفسه .!

لأن الشعوب والأمم حينما تعرف مايحيط بها من خطر أو مشكلة ؛ فإن التلقائية بالغريزة .. والفطرة .. والسليقة ..تدفع تلكالشعوب للدفاع عن نفسها عند إدراك حجم الخطر.

الفقر ليس وضع اقتصاديفقط؛ بالنظر للحالة المعيشيّة الصعبة التي يعيشها الإنسان الفقير، إلّا إن الفقر لا يؤثرُ إطلاقاً على غنى العقل والفكر، وأكبرُ دليلٍ على هذا هو أنّ هناك الكثير من الحكماء والأدباء والفلاسفة عاشوا طفولتهم وشبابهم بفقرٍ شديد وضمن ظروف معيشيّة صعبة،

وبالعودة لما عرضه د.إدريس الفقر لا يعنى فقط الاحتياج المادي الذي يهبط بمجتمع إلى مستوى أقل من مثيله فيالبلاد الأخرى، وإنما الفقر الحقيقي هو الذي يظهر على أناس حالهم المادي مرتفع لكن طريقتهم في الحياة وتعاملهم معالثراء ليس إلاّ انعكاساً لما يعانونه من فقر الفكر في صورته الواضحة .!

فالفقر ليس وضع اقتصادي أوشكل لحالة مادية وإنما وضع بشري يتصرف من خلاله الإنسان بفقر ويفكر بذات الفقر؛ بل إن خياله ذاته يكون فقير، فالغنى هو من يمتلك نفساً غنية وليس حفنة أموال لاتصرف إلا على” ملذات الحياة،بتخصيص ميزانة عالية من ثروته لذلك ، وربما يصرف الجزء اليسير من ذلك المال على الطقوس الدينية كزكاة المال على سبيل المثال ، ولكن دون فهم أو تفكير  في مردود تلك الشعيرة الدينية ومردودها النفسي عليه وعلى من حوله من فقراء..!

هناك من هو غني من الخارج فقير من الداخل.تجده يمتلك أصولا مالية وممتلكات تجارية واسعة لكنه يفتقر إلى أسسالقيم الإنسانية و أبجديات المهارات الإدارية ، فنجده يعوض فقره الفكري الذاتي بالتفاخر .. والتباهي بثروته ..

وهناك من تراه بسيطاً في مظهره لكنه ثري من داخله قوي في شخصيته يركز على الإنجاز والاستثمار أكثر مما يستمتع بالاستهلاك و الاستعراض. و يملك من القيم و المهارات ما يغنيه عن جذب إعجاب الآخرين بالمقتنيات.

فهناك فقراء اقتصادياً لكن ثراءهم الروحي يمنحهم الفرصة ليستمتعوا ويمتعوا من حولهم وتأكيداً لتلك الفكرة أشار د.إدريس لقصة عايشها في حياته لرجل يطلقون عليهمليونيرحيث يمتلك الكثير من الأموال لكنه يتعامل معها بفقر في كل شيء والعجيب أن من يعمل لدى هذا المليونير يتمتع بثراء فكري لا يتمتع به كثيرا من أثرياء المال ، فكان هو العقلالمفكر في أغلب أعمال ذلكالمليونير “.

إذاً الأغنياء الذين يعتقدون إن الفقراء تعساء في حياتهم لفقر المال، ليسوا أكثر غباء من الفقراء الذين يعتقدون أن الأغنياء سعداء لوفرة المال، فالعلاقة في كلا الحالتين يربطها فقر الفكر .. وفكر الفقر لدى الاثرياء والفقراء

فالمال ربما يستر رذيلة الأغنياء، ولكنه لا يستر فقر الفكر ، والفقر يغطي فضيلة الفقراء ، ولكنه لا يستر فضيلة الفكر .!

والسؤال الذي يحتاج منا إلى تفكير عميق وثراء فكري حول ماطرحه د. يوسف إدريس في كتابه :

فقر الفكر .. وفكر الفقرفي العديد من صور المجتمع ليترك لنا الحكم والبحث عن إجابات مختلفة ومتباينة .. هل فقرالفكر لدي الاغنياء نتيجة لفكر الفقر لدى الفقراء أم العكس صحيح..!؟

Related Articles

2 Comments

  1. ماشاءالله ????صدقت استاذ جمعان ..
    الغنى غنى النفس وليس غنى المال ✨??

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button