المقالات

التلوث الترفيهي

يُعد قطاع المطاعم والمقاهي جزءًا مهمًا من رؤية المملكة 2030 لما يُمثله من إضافة قوية للاقتصاد الوطني؛ حيث زادت أهمية هذا القطاع بعد قرار السماح بالعروض الموسيقية في المطاعم والمقاهي ودور الترفيه؛ إذ تُعتبر من أهم القرارات الداعمة لصناعة الترفيه والفنون الموسيقية في المملكة.

وبالرغم من أهمية وثقل تلك القرارات في دعم وصناعة الترفيه والموسيقى إلا أنها تُعاني من ضعف الضوابط  والأسس التي تنظمها وتتكفل بما يليق بها، وبما يعكس أهميتها ويحقق أهدافها؛ حيث ترك الحبل على الغارب للقائمين على الكثير من تلك المطاعم والمقاهي إلى سوء استغلال تلك القرارات، وذهبت بقصد أو غير قصد إلى تشويه وتلويث صناعة الترفيه وصناعة الموسيقى باجتهادات فردية عشوائية برغبات وأهواء شخصية غير مقننة أغفلت وغيَّبت احترام  حقوق اختلاف رغبات المجتمع، وتجاهلت الإبداع والإتقان التنظيمي المؤسسي الذي يُواكب أهداف الرؤية، وتجاهلت احترام الحقوق البيئية والصحية والحرية الشخصية، والتي نستعرضها معكم  في العناصر التالية:-

أولًا: التلوث البيئي والصحي

1- لم يراعِ القائمون على تلك القطاعات اختلاف الحقوق الشخصية والخصوصية لرغبات المجتمع؛ فجمعت المدخنين وغير المدخنين، وأجبرت الأفراد والأسر على الجلوس مع بعضهم في مكان واحد دون احترام حقوق صحة البيئة المعمول بها في التصنيف الدولي فغير المدخنين أصبحوا يتنفسون مخلفات تدخين الآخرين من (الشيشة والسجائر)، ودون مراعاة الحقوق الشخصية لخصوصية العادات والقيم بتخصيص وتنظيم  جلوس العوائل مع الأفراد، والذين لا تخلو أجواءهم وأحاديثهم من بعض التصرفات والكلام الذي لا يليق أن يحدث في وجودهم بجوار وأمام بعضهم البعض؛ فلا العوائل تأخذ راحتها وحريتها في الحديث أو الأكل أو الترفيه ولا الأفراد يأخذون راحتهم كذلك وبطبيعة الحال؛ فهذا الأمر له عواقب سلبية، ومنها تحفيز وتشجيع المزيد من شريحة المدخنين خلاف تحفيز السلبيات التي لا تخفى عليكم، والتي ستلقي بظلالها السيئة على المدى البعيد.

ثانيًا: التلوث الضوضائي والبصري

تركت تلك المطاعم والمقاهي تعمل بحرية بعيدًا عن احترام حقوق صحة الإنسان وذائقته الثقافية والفنية من خلال العمل بنظام الاجتهادات الفردية العشوائية التي لا تلتزم بنظام ضوابط المعايير العالمية لصحة السمع؛ حيث يقومون برفع درجة مكبرات الصوت من أجل تحقيق هدف العلاقة الطردية بين رفع صوت الموسيقى، وتحفيز وتطويع الإقبال على الطلبات وزيادة المبيعات؛ بالإضافة إلى أن بعض المغنين أو المطربين الذين ليس لهم من اسم الطرب نصيب يتجهون إلى تعمد رفع درجة  مكبرات الصوت  لأعلى درجة؛ بهدف أن يقوم صخب الإيقاعات الموسيقية على تغطية وإخفاء عيوب ونشاز أصواتهم دون احترام لنظام ضوابط  المعايير العالمية لصحة السمع التي حددت معايير واشتراطات تحافظ على صحة السمع  بمقياس وحدة تسمى الديسيبل، وهي وحدة قياس مستوى شدة الصوت، وعلى سبيل المثال لتلك المعايير هو أن يكون مستوى الضوضاء أقل من 25 ديسيبل حتى  يستطيع الإنسان الخلود للراحة والنوم، والهمس تتراوح مستوى شدته ما بين 20 إلى 30 ديسيبل، والحوار العادي بمقدار 60 ديسيبل، ووجدت تلك المعايير أن الإنسان لا يستطيع التركيز والتفكير إذا زاد مستوى شدة الصوت عن 65 ديسيبل؛ ولذلك يتعمدون رفع درجة شدة الصوت لنسبة قد تتجاوز 80 ديسيبل؛ بهدف تطويع الإقبال على زيادة الطلبات لزيادة المبيعات وبهدف تغطية عيوب أصوات المغنين، وإذا زادت درجة الصوت عن  85 ديسيبل فهي تؤثر سلبًا على صحة السمع وتؤثر على باقي الصحة العامة؛ حيث يرى الطب أنه عند تعرض الإنسان، سواء كان ذلك برغبته أو مرغمًا، إلى إيقاع لا يتفق ولا يتناغم مع الإيقاع الطبيعي لجسم الإنسان، فإن ذلك يتسبب في خلل وظائف الجسم حيث تؤكد منظمة الصحة العالمية وجود علاقة بين التعرض للضوضاء (بقوة 70 ديسيبل أو أكثر) والإصابة بارتفاع ضغط الدم، وتؤكد بعض الدراسات الطبية أن استمرار الضوضاء يتسبب في إفرازات هرمونات تؤدي للإحساس بالقلق والتوتر والتقلبات المزاجية والاضطرابات العصبية والصداع، وعدم القدرة على التركيز واضطرابات النوم والانفعالات الزائدة وغير المبررة والاكتئاب على المدى البعيد بل وفقدان الذاكرة وتزداد معها أمراض الجهاز الهضمي، ومنها قرحة المعدة وقرحة الاثني عشر ومرض القولون العصبي، ونظرًا لزيادة إفراز هرمون الكورتيزول، فإن الجهاز المناعي يضعف ويصبح الإنسان أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض المُعدية والالتهابات والأمراض السرطانية؛ بالإضافة إلى مساوئ التلوث البصري من خلال اختيار تلك الأضواء الكئيبة والتشتت البصري من أجل إخفاء عيوب المكان وعيوب الأدوات وعيوب شكل الطعام تحت مظلة ما يسمى بالأجواء الرومانسية، والبعض منها أشبه ما يكون بأجواء الملاهي والحانات والنوادي الليلة التي نشاهدها في أفلام البرامج التلفزيونية؛ فكل ذلك يلقي بظلاله على تفشي أمراض مستعصية ومزمنة في المجتمع تلقي بظلالها على جودة الحياة، وتكون ضريبة فاتورتها الاقتصادية باهظة الثمن.

الحلول

دراسة إيجاد الحلول التي تكفل منع إساءة استغلال القرارات بسن الأنظمة واللوائح التي تغطي كافة ثغرات الاستغلال، والتي من شأنها أن تحافظ على أهمية تلك القرارات، وتحقق أهدافها ومن تلك الحلول التي أطرحها لدراستها، والتوسع في تطويرها بما يتلاءم مع واقعها، ويغطي كافة الجوانب فيها هي:-

  • تصنيف المطاعم والمقاهي تصنيف نخبوي باشتراطات محددة من شأنها خلق بيئة تنافسية لصقل روح الإبداع للتطوير والابتكار في سبيل الفوز بالحصول على التصنيف الذي يرقى بمكانة ذلك القطاع، ويحافظ على استمرار دوره في دعم الاقتصاد الوطني؛ حيث إن تجاهل هذا الأمر من شأنه أن يؤدي يومًا ما إلى العزوف عن ارتياد تلك المطاعم والمقاهي حتى وإن كان مؤشر الإقبال عليها الآن في قمة ذروته؛ فهذا أمر طبيعي كونها تجربة جديدة، ولكن ما إن تبقى تلك السلبيات بما فيها من أسباب التلوث الترفيهي؛ فإن المجتمع سيكتشف تلك المساوئ ويبحث عن البديل، وبالتالي يخفق الاستثمار في ذلك القطاع ولا يحقق الأهداف التي وجدت من أجله تلك القرارات، وأن يكون التصنيف ليس فقط على حسب جودة فخامة المكان أو جودة المنتج الغذائي، وإنما أن يشمل جودة تكامل رفاهية المكان من خلال العناصر التالية:

(أ) جودة سعودة وتوطين الوظائف وفق تخصصات ومخرجات المؤسسات الأكاديمية لاحتواء الخريجين والمساهمة في القضاء على البطالة.

(ب) جودة احترام الحقوق البيئة الصحية العامة والخاصة بحفظ تحقيق رغبات الجميع ولا سيما فصل الأماكن الخاصة بالمدخنين.

(ج) جودة ما يقدم من ترفيه للفنون الموسيقية والغنائية التي تخلق روح التنافس والإبداع في عالم ثقافة الفنون طمعًا للوصول إلى القمة من خلال تقديم فرق موسيقية وفنانين متخصصين ومؤهلين علميًا وثقافيًا، ولاستقطاب واحتواء مخرجات المؤسسات الأكاديمية والتعليمية، وما لذلك من دور في توطين وسعودة الوظائف، ودورها في القضاء على البطالة.

  • تصنيف الفنانين والفرق الموسيقية بناءً على مؤهلات تخصصاتهم الثقافية والفنية، وبما يتواكب مع تصنيف المطاعم والمقاهي، وبما يلبي فوارق رغبات الجمهور.

أخيرًا

أعلم أن هناك بعض المطاعم والمقاهي النادرة أو المتواضعة التي تولي بعض العناية، وتحاول احترام جودة الترفيه، وأعلم أن هناك مقولة تقول: (ما أحد جبرك) أو (إذا ما عجبك لا تذهب ) أو (دور على ما يناسبك )، ولكن هذه الجمل تُعتبر من أفكار وأقوال أصحاب الفوضى الخلاقة، والتي لا تخدم مصلحة الرؤية وتتعارض مع أهدافها، وتضر بالاستثمار في هذه القطاعات على المدى القصير والبعيد فأي قرارات بدون أنظمة وبدون تطبيق تبقى عديمة الفائدة، واحفظوا هذا المقال في المفضلة لديكم فإما أن نرى مطاعم ومقاهي راقية جاذبة للترفيه، وتتنافس في الاستثمار بكل جديد في جودة الترفيه أو نرى تلاشي هذا الاستثمار بالبحث عن البديل؛ وليعلم المستثمرون في ذلك القطاع أن المجتمع يبحث عن تذوق جودة الترفيه كما هو يبحث عن جودة تذوق الطعام.

Related Articles

6 Comments

  1. مقال جميل للزميل العزيز ..
    ولكن الحل الجذري في نظري هو عدم ارتياد المطاعم والمقاهي بقدر المستطاع ، مع علم الجميع أن أكل البيت من طعام وشراب هو أفضل صحياً وأنظف مليون مرة من أكل المطاعم والمقاهي ، ولذلك شعاري (( الزم بيتك لصحتك وراحتك )) وللجميع تحياتي .

    1. كل الشكر والتقدير والدعاء لكم اخي سعادة اللواء الدكتور جرمان نعم الحل الجذري للبعض ولكن هذا قطاع اقتصادي حيوي ثم ان هناك شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين والاهم هو السائح الذي لابد ان يجد ما يليق بمكانة المملكة من خدمات سياحية ترفيهية تنعكس على الصورة العامة بالرضى والقبول ولا ننسى سعادة اللواء ان هناك تصنيف عالمي على مثل هذه الخدمات الثقافية والفنية والسياحية والترفيهية وتصنيف الصحة العامة والبيئة

  2. نحتاج الي اعاده نظر في تنظيم المطاعم والمقاهي وايضا الفرق الموسيقيه التي. تظهر في هذه الاماكن كل. ماهب ودب ومع كل طرحه المقال

  3. بارك الله فيك اخي الكريم الاستاذ محمد اشكر مرورك واضافتك

  4. اتفق بكل ماجاء في المقال فالترفيه تنظيمات وأصول وقيم تتوافق مع قيم المجتمع واخلاقه وآدابه وأن لا تتجاوز حدود صحة الانسان فالصخب والموسيقى العالية تؤدي إلى التوتر وبالتالي اضطراب النوم وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الاثار السلبية ونتمنى فعلاً أن يكون هناك تنظيمات تضبط عمل المطاعم والمقاهي بما يتوافق مع جودة الحياة وليس بما يعكر صفو الانسان .. كل الشكر لك أ. محمد الحارثي

    1. وكل الشكر والتقدير والدعاء لك استاذة فاتن على مرورك العطر ودعمك الايجابي واضافتك الطيبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button