المقالات

القِفَرة ولعبة التحدي

▪️لم تكن المهرجانات وليدة اليوم بل هي متجذرة ومتجددة تبعا لثقافة المجتمع وممكناته، فغالبا ماكان يصنع من بدائيات البيئة المحلية أدوات للرياضة والتسلية وقضاء أجمل الأوقات في كرنفالات شعبية غامرة بالابتهاج والفرح، ومن هذه الاحتفالات ما كان مرتبطا بمناسبات اجتماعية أو متزامنا معها كالأعياد أو الزواجات أو حتى في العزائم وأثناء استقبال الوفود من قبائل أخرى تفد بغرض المشاركة في تلك المناسبات السعيدة أو بدعوة خاصة؛ قد تخفي وراءها تحدي في رياضة معنية كالرمي بالنبال أو البنادق لإصابة أدق الأهداف باعتبار ذلك فخر؛ تباري به القبائل بعضها أو تتشوف للفوز والظفر بقصب السبق لنيل وسام المديح من الشعراء أو لوجود فوارس يحظون بشرف التتويج كممثلي فخر ورواد صنعة ومؤشر فراسة وعراقة أصل!!
▪️ولقد كانت قبائل زهران كإحدى قبائل الجنوب والحجاز ترى في فنون الرماية مفاخرة ونزال سلمي تتعالى معه صيحات الفوز إذا ما أصاب أحدهم الهدف بالسهم الأول أو الطلقة المسددة التي لا تخطيء بعين حاذقة ويد صلبة لا تهتز ،و رباطة جأش لا تضطرب أمام تلك الجموع المؤازرة التي تترقب الصواب وأخرى مواجهة تترقب الخطأ لتظفر هي بعدد النقاط!!

▪️ولقد تنوعت تلك الرياضات تبعا لحالة الاستقرار وتطور الفكر وربما اقتباس أو تناقل لإحداها من تجمع لآخر إذ سبقت( كرة القدم) لعبة مشابهة في الأداء بكونها تضم فريقين وإن اختلفت الأدوات والممكنات هي ماتسمى قديما (الكبّابة) إذ كانت تصنع من الخشب بشكل مستدير لتضرب بالهراوى ليستقبلها أخرون بصدورهم أو بأيديهم أو لتصطدم بما شاءت دون هوادة؛ لكنها أجسام حديدية جاهزة لمقاومة كل الاحتمالات!!
هذه الألعاب ذات مؤدى مزدوج الأهداف إذ لم تكن مجرد تسلية وحسب بل لصناعة رجال أشداء وأجسام صلبة كالحديد ولتقوية النفس أيضا على تحمل الضربات المؤلمة من تلك الكرة الممتلئة المستديرة من الخشب – لا من الجلد المفرغ كحالها الآن – لتكون بمثابة لعب أثقال أيضا لتقوية العضلات وتحريك المفاصل واكتساب اللياقة البدنية؛ جريا واستقبالا وإرسالا، إنها رياضة الأقوياء الأشداء؛ وكلهم كذلك سواء!!!
▪️في خضم ذلك المعترك المحتدم الودي بلغة ذلك العصر كانت محببة ومما يزيدها شغفا ويمنحها وسام العنفوان أنها كانت تؤدى غالبا في الليل الحالك السواد لتزيد مخاطرها وليحتدم النزال لتحاكي المعارك المعادية لتصنع التحدي والعزيمة والإصرار والقوة لإنسان ذلك العصر، وهنا مكمن الشجاعة التي زرعت بفعل العادة الطبيعية للبيئة المحلية!!
▪️ولقد أمتدت تلك الحاجة الإنسانية للترويح بعد عناء التعب ونصب الكد وراء لقمة العيش والكدح في معترك الحياة للتخفيف من وطأة التوتر ولتجديد الطاقة لاستقبال يوم قادم أو بداية أسبوع أوفترة عمل جديد لكنها بقالب آخر مختلف بتطور الذات أو تنامي الفكر أو توسع المدى المعرفي لمساحة جغرافية أو أمتداد ثقافي اجتماعي ممتزج بجماعات أخرى لتتواكب مع الرؤى الجمعية أو لتتلاءم مع التكوين الجسدي الذي يتذبذب تبعا لشظف العيش أو رفاهية الواقع بين رعوي أو زراعي أو حضري ولتكون مشتركة تناسب جميع الفئات العمرية والثقافية، لذا جاءت كرة القدم كتطوير لتلك الألعاب ليستبدل خلالها العنف باللطف، والخشونة باللياقة، وليتحول الغرض تبعا لذلك لبناء شراكات وصداقات وتبادل ثقافات وتعايش سلمي يبنى على الوفاق الذي يتنافى مع أي نزعة عنف بل يعد ذلك خرقا مستهجناً لقانون اللعبة.

▪️وبما أننا في عصر الرفاه؛ الأمن الوارف والعيش الرغيد في ظل نهضة تنموية زاخرة بالمحبة والتواد حتى أضحينا أسرة واحدة تذوب معها الفوارق لننصهر جميعا في بوتقة ثقافة وطنية قيمية سائدة تنحاز لتشجيع المتميز و تحفيز الإبداع ودعم المهارات وتنمية وصقل المواهب كما تؤمن بتعدد الذكاءات وضرورة تنوع المهن والمهارات تبعا لاستعدادات الشخص وميوله وتوجهاته وقدراته، لتحتل إزاء ذلك الألعاب الرياضية بمختلف تصنيفاتها منزلة في جدول الاهتمامات البشرية على مستوى الأفراد والجماعات والدول والعالم بأسره، لتكون جسراً للتواصل وكسر الحدود السياسية والثقافية لتصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب ليتركز التفكير في تشجيع اللعبة الجيدة محفوفة بروح الوطنية وصفاء الإنسانية.. إنها لعبة الإثارة المفعمة بروح المرح والفرح، الممتزجة بأهازيج النشوة والنصرة!!!

▪️ولقد كان محفزا لكتابة هذا المقال ما تداول عبر قنوات التواصل لنقل حفل ختام بطولة (قرية القفرة) لكرة القدم- التابعة لقبيلة بالحكم بزهران- بحضور حشد كبير ورعاية معرف القرية (حسن الشاعر) الذي كان لكلماته العفوية المشربة بروح الأصالة والمتلألئة بروح المحبة والود كأب ومسئول يوصي أبناءه بالتكاتف في إطار وطني قوامه الولاء للقيادة والانتماء لوطن الحب ، وطن القيم والشمم، وطن العز والكرامة.

▪️كم هي مثيرة للاهتمام تلك البطولات التي تنمي مواهب الجيل كما تعمق التآخي والتعارف وتكسبهم القيم الاجتماعية الأصيلة، كما هي بناء جسدي وأمتلاء روحي وانتعاش نفسي واعتدال عاطفي لتتكامل بها ومعها جوانب الشخصية لتنشأ بسلام ووئام بعيدا عن الفراغ الممل أو العزلة الكئيبة المريبة، وكم هي محفزة وداعمة تلك الكلمات الجميلة بروح الحكمة ممن اكسبتهم الحياة تجارب قيمة حق للأجيال أن يقتبسوا من نورهم البهاء والكرم وسعة الصدر، إنها درر من جماليات الأوائل الذين هم منبع الطيب وحب الخير والنفع للناس بعامة.

Related Articles

One Comment

  1. أفلحت أخي فلاح في مقالك وأنت توظف الموروث قديمه وحديثه في هذه القبيلة وتلك القرية التي تتوسد جبال السراة وهم يحيون عادة التآلف ويترجمون المحبة من خلال اللعبة الشعبية التي أشغلت العالم وجعلته يتوحد حول المستديرة بنظام عالمي عجيب شكراً لك ولمعرف وآهالي القفرة الذين التفوا حول بعضهم وأحيوا عادة التلاحم بهذه الرياضة المحببة لنفوس الشباب والشياب إن جاز التعبير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button