يعتقد الكثيرون، وبالذات من صغار السن والمراهقين، وبعض النساء أن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي نماذج جيدة وأصحاب مواهب كبيرة، وأنهم صنعوا مجدهم وشهرتهم بناءً على عمل مضني وسهر الليالي، وأنهم يستحقون الشهرة والمال نتيجة لذلك، ولكن في الواقع والحقيقة الموضوع غير ذلك تمامًا.
ففي أواخر الستينيات من القرن الماضي تنبَّأ الرسام الأمريكي “اندي وورهول” بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع في أقل من 15 دقيقة.
وبعد خمسين سنة تقريبًا تحقق هذا الحلم فعلًا، وأصبح ما يقوله أو يكتبه شخص في أقصى شمال الكرة الأرضية يقرأه شخص في أقصى جنوب الكرة الأرضية بل ويستطيع الرد والتحليل والنفي في نفس اللحظة.
لقد أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر وانستغرام والواتساب وغيرها نقلة نوعية في إيصال المعلومة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
فأصبحت الوسائل عامرة بالكثير من الأسماء المشهورة على اختلاف فائدتها. منها القليل الذي يقدم محتوى علمي أو معرفي جيد، ومنها الكثير من المحتوى غير المجدي الفارغ، والذي أصبح ظاهرة شعبية غريبة.
فعلى الانستغرام تتسابق أسماء العارضات (الفاشيونستات) على أرقام المتابعات، والتي تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين؛ لأنهن يقدمن صورهن في أزياء ومستحضرات تجميل تلقى رواجًا كبيرًا من الجمهور.
وهكذا فإن العرض المستمر للذات على الآخرين؛ لجلب الاهتمام بغض النظر عن جودة المحتوى، يدفعنا إلى التساؤل هل هذا الوضع صنعته وسائل التواصل الاجتماعي أم هو شهوة الشهرة أم هي فعلًا رغبة من الجمهور المتلقي الذي لا يهتم بالمحتوى بقدر اهتمامه بشكل وطريقه عرضه.
سيكولوجية الشهرة :
يقول عالم النفس الأمريكي “إبراهام ماسلو” بعد عدة أبحاث قام بها على زائري عيادته، في البدء يحتاج الإنسان إلى إشباع رغباته الفسيولوجية ثم الأمنية؛ مرورًا بالرغبات الاجتماعية؛ ليقف به التدرج إلى الحاجة إلى التقدير ثم يمضي إلى الحاجة الذاتية للتميز والتفرد.
إذن الحاجة إلى التقدير هي الدافع الطامح إلى إشباع رغبات المشاهير والمتمركزة حول الأنا.
يقول الدكتور “متش برنيشتاين” أحد الباحثين البارزين في علم النفس في جامعة “نورث كارولينا”: إن الباحثين عن الشهرة ينقسمون إلى نوعين:
النوع الأول: هي الرغبة القائمة على التفضيل الاجتماعي أو المحبة أو الاحترام الذي يتمتع بها الشخص؛ نتيجة لشخصيته الجذابة أو “الكاريزما”.
النوع الثاني: الشهرة أو الشعبية الناتجة عن السمعة الاجتماعية، والتي يسعى خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوبًا أم لا ويرى “بنشتاين” أن هذا النوع الثاني هو الأكثر انتشارًا حول العالم، وأخذ في الزيادة بصورة خطيرة.
وخلاصة القول..إن الرغبة في الشهرة لدى هذا النوع قد تكون نتيجة لإحباط أو اضطراب نفسي غير مشخص، وأيضًا هو دلالة على عزلة اجتماعية لم يستطع الهروب منها.