في ظاهرة سنوية مهيبة أصبحت جائزة الملك فيصل العالمية ملفت الأنظار للعلماء حول العالم. هذه الجائزة أنشأتها مؤسسة الملك فيصل الخيرية سنة 1397هـ، وسميت باسم الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود. دائمًا ما تكون هذه المناسبة مصدر إلهام للأجيال وتحفيز للعلماء؛ ليواصلوا عطاءاتهم الفكرية وجهودهم العلمية. بل إن هذه الجائزة توجه الأنظار نحو المستقبل؛ خاصة في مجالات العلوم والطب، وتعطي إشارة للمجتمع العلمي بأن الإسهامات الجوهرية التي أثبت أثرها ونفعها على مدى عقود هي محل تقدير واحترام المجتمع.
إن أبرز اكتشافات القرن هو تركيبة جزيء الحمض النووي وكشف أسراره وفك شفراته في عدد كبير من المخلوقات بما في ذلك الجينوم البشري؛ حيث أدى إلى اكتشاف وظائف العديد من الجينات، والتي استخدمت في مجالات عديدة لتوفير الاحتياجات الضرورية للإنسان سواءً كان في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني أو مجال علاج الأمراض المستعصية والأمراض الوراثية وغيرها. اكتسب علم التعديل الجيني في السنوات الأخيرة زخمًا كبيرًا، وضخت عليها مؤسسات بحثية ودوائية ميزانيات ضخمة مع وجود تحفظ أخلاقي على المخاطر المحتملة لهذه التقنيات التي لم تعد ضربًا من ضروب الخيال العلمي، بل واقع نعيشه اليوم. فالحاجة الملحة لوجود تقنية دقيقة وآمنة للتعديل الجيني كان مطلبًا مهمًا للغاية سيخطو بنا خطوات متسارعة.
لهذا السبب قرر أعضاء اللجنة في مسار جائزة الملك فيصل للطب منح الجائزة لهذا العام للبروفيسور ديفيد لو الأمريكي الجنسية والمتحدر من أصول تايوانية، الأستاذ في جامعة هارفارد، ومعهد ماسيتيوشس للتكنولوجيا (MIT) لإسهاماته الفعالة في تطوير ميكانيكية التعديل الجيني وجهوده العلمية العميقة؛ للتعرف على أساسيات وميكانيكية هذه التقنية لتصبح أكثر دقة وتطويعًا في التطبيقات الطبية. الجدير بالذكر أن البروفيسور ديفيد أسهم في إنتاج علمي غزير تم الاستشهاد به أكثر من خمسين ألف مرة، وهو مازال أواخر الأربعينيات من عمره. بل إنه أسهم في تأسيس سبع شركات للتكنولوجيا الحيوية والعلاجية تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات التي من ضمنها شركات تهتم بتقنية الإكسوزومات. كل ذلك يؤكد بأن جائزة الملك فيصل مازالت، وستبقى منارة للعلم والعلماء كما قال سمو مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك فيصل الخيرية رئيس هيئة جائزة الملك فيصل الأمير خالد الفيصل “هنا: يتوهج الفكر ويتجلى، وبجوهر العليم يتحلى، هنا: ملك كرم علما، وعلم أكبر ملكا”.
————————————
أستاذ مشارك في الأحياء الجزيئية