“التَّحرش” لفظة تقشعر منها الأبدان، وينفر منها كل إنسان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ويعتبر من أسوأ الظواهر التي تفشَّت في السنوات الأخيرة في المجتمعات العربية بصفة عامة والمجتمع السعودي بصفة خاصة؛ لأنه جريمة وانتهاك لخصوصية جسد الشخص الذي وقع عليه التحرش سواء أكان المتحرش أو المتحرش به ذكرًا أو أنثى صغيرًا أو كبيرًا؛ إذ لا يوجد أي مبرر لحدوث هذا العمل المشين سوى ذلك السلوك النفسي غير المتزن الذي يسيطر على عقل الفاعل فيحوله من إنسان سوي الفطرة إلى شيطان تُحركه الشهوة، فيشكل فعله انتهاكًا صارخًا للضحية يتدرج من مرحلة الإيذاء النفسي إلى الإيذاء اللفظي أو التلميحات المسيئة، أو حتى الإيذاء الجسدي مما يجعل عمله جريمة لا تغتفر تحت أي ذريعة أو ستار يتخفى خلفه المتحرش من كلا الجنسين.
وفى خطوة تاريخية للحد من انتشار هذه الظاهرة المؤسفة، والتصدى لها بكل حزم وقوة وافق مجلس الشورى على تغليظ عقوبة المتحرش، والتشهير به ونشر ملخص الحكم في الصحف المحلية على نفقة المحكوم عليه؛ حيث عرف النظام جريمة التحرش بأنها كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة، وذلك وفقًا لما نصَّت عليه المادة الأولى من نظام مكافحة جريمة التحرش.
ومع أن الشرع الحنيف أمر بالستر على الناس وحث على ذلك في عموم أحوالهم، وجعل الكشف عن عوراتهم والتشهير بهم صورة من صور العدوان على الغير، إلا أنه لا يمنع من فرضها على أية جريمة يرى الحاكم أن من المصلحة أن تفرض فيها، فالتشهير في الشرع الإسلامي غايته عدم الستر على المجاهر بمعصيةٍ أو مُنكر إما تحذيرًا منه أو تحييدًا لخطره، فقد كان شريح القاضي -رحمه الله- في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بأن يبعث بشاهد الزور بعد العصر في وقت اجتماع الناس في الأسواق مع من يقول: إنا وجدنا هذا شاهدَ زور فاحذروه، وكذلك الحال مع السارق حتى ينال الفاعل الخزي والعار أمام الناس فلا يعود إلى فعلته؛ وذلك من المقاصد المشروعة التي تعود على المجتمع بالصلاح والمصلحة العامة.
ومن هذا المنطلق الإسلامي المقنن وتطبيقًا لنظام التحرش الذي وافق عليه مجلس الشورى؛ فقد تم مؤخرًا نشر اسم أحد المتحرشين بعد أن أقيمت عليه الحُجة وثبتت عليه التهمة؛ فأصدرت فيه المحكمة حكمًا يقضي بنشر فعلته المُخزية والتشهير باسمه في الصحف المحلية، وهذا فيه إشارة واضحة وصريحة لكل من تسوَّل له نفسه بالاعتداء على الحرمات بأن نظام التحرش قد دخل حيز التنفيذ ولا هوادة في تطبيقه على كل من يحاول العبث والمساس بأعراض الآخرين.
وخلاصة القول؛ فإن التحرش نتيجة حتمية للمشكلات والأزمات الاجتماعية التي تفتك بمجتمعاتنا التي تتلوى على نيران التناقضات الأخلاقية، وإذا كان لا بد من خطوات إجرائية ناجعة تحدّ من تفاقم هذه الظاهرة؛ فإنه يجب العمل على تعزيز دور الأسرة والقيم التربوية في المؤسسات التعليمية، لأنها المناط بها غرس القيم والأخلاقيات في نفوس النشء الذين سرعان ما يكبرون ليصبحوا وقودًا لحضارة الأمة أو لدمارها.
كما يجب على الجهات المختصة المسؤولة عن تطبيق نظامي مخالفة الذوق العام والتحرش بجميع أشكالها وصورها أن تتلزم بدورها في تطبيق النظام على كلا الجنسين دون أي تساهل في ذلك لا سيما في مسألة الإفصاح عن اسم المتحرش أو المتحرشة ونشره في وسائل الإعلام المختلفة؛ لأن ذلك سيجعل الجميع تحت طائلة القانون بل إنه سيخلق بيئة اجتماعية صحية سليمة الفطرة فلا فرق بين متحرش أو متحرشة فكلاهما يحمل نفس جينات المرض الذي تحمله الشخصية (السيكوباتية)، وكذلك فإنه بات من الضروري إعطاء الصلاحيات للجهات المناطة بها حماية المجتمع من الانفلات الأخلاقي والانحلال الفكري، وفق ضوابط وأنظمة محددة تنبع من شريعتنا الإسلامية السمحة ذات الوسطية والاعتدال حتى نجتث هذه الظاهرة من جذورها ونعيش في هدوء وسلام.
وخزة قلم:
أيها المتحرشون التعساء، حرروا أرواحكم المكبلة بالآثام قبل أن تجلدكم سياط التشهير فلا صمت يحميكم بعد الآن!