كثيرًا ماسمعنا بمصطلح “منظومة الأخلاق”، والذي يعني العلاقة العضوية بين العديد من الأجزاء التي يبدو ظاهريًا أنها متفرقة، وأحيانًا متقاطعة، لكن سلكًا ناظمًا يؤلف بينها ويربط بعضها ببعض؛ لتبدو أشبه بالقلادة في جيد حسناء.
إلى الدرجة التي تجعل من الصعب فك جزء عن الآخر، وإلا لاختلت المنظومة، وغدت شوهاء مقززة.
هل الأخلاق بهذه الأهمية؟
الإجابة القاطعة: نعم.
كيف لا وقد كانت مهمة العظماء في كل مراحل التاريخ، واشتغل بتعزيزها وتثبيتها في نفوس المجتمعات الأنبياء والمفكرون والحكماء في كل عصر.
“إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
هكذا عبَّر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن تلك المهمة ومكانتها الرفيعة في سلّم أولويات الرسالة.
ولك أن تتخيَّل مجتمعًا اختلت لديه هذه المنظومة، وانفرط عقدها وتراجع تمسك أبنائه بها، فكيف للحياة أن تستمر وكيف ستكون العلاقة بين أفراده؟!
إنما الأمم الأخلاق مابقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هذه حقيقة لا مراء فيها ولا جدال، كيف تتهاوى الأمم وتصبح أثرًا بعد عين إن اختلت تلك المنظومة وتهاوت.
ولذا أكد الشارع على أن الدين ليس عبادات وفرائض وشعائر فقط.
بل إن الجزء الأغلب قد ذهب للأخلاق والحث عليها، والتي هي الثمرة الحقيقية للتدين الحق.
هل هناك ما هو أعظم من الصلاة والصوم !
“إن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة”،
إن تدهور الأخلاق وضعفها في نفوس الناشئة في زماننا هذا لأمر يبعث على القلق، ويدعو إلى التنادي لوضع حدٍ فاصل بين ما يروج على أنه حرية شخصية، والذي هو في حقيقته انفلات أخلاقي والثوابت الأخلاقية للمجتمع.
وجعل الأمر في قمة الأولويات وأسها.
فالأخلاق هي قطب الرحى، وحجر الزاوية لأي مجتمع يريد البقاء والاستمرار.
ولله در أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي عندما قال: لو سئلت أن أجمل فلسفة الدين الإسلامي كلّها في لفظين لقلت: إنها ثبات الأخلاق.
ونبه إلى أن ما يعوز المدنية الأوروبية الحديثة هو ثبات الأخلاق.
لم نعد نملك رفاهية الوقت لإهدار جزء منه؛ فالهجمة على الثوابت والقيم شرسة وممنهجة، والضحية للأسف الحلقة الأضعف والأرق في المجتمع، إنهم فلذات الأكباد الأبناء.
إن اللوثة الأخلاقية التي اجتاحت العالم في الفترة الأخيرة من الخطورة بمكان، وإن آثارها التدميرية ستستمر لعقود لا سمح الله، إن نحن تساهلنا في صدها، والوقوف في وجهها.
الجميع مسؤول وبالقدر ذاته والتهرب من المسؤولية، والاختباء خلف دعاوى العجز والخجل من مواجهة الموجة سيكلفنا الكثير.
“ذا مايسد دبل الفار خذ له عانه” هذا ما كانت تقوله أمي -رحمها الله-،
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا.