قال صاحبي: هل تُسيّس الرياضة، كيف، ولماذا، أليست الرياضة وسيلة للتقارب، تحكمها الروح الرياضية، التي يتغنى بها الجميع، ويدعي التمسك بها في حال الهزيمة أو النصر، من يتحكَّم في الآخر الرياضة بأخلاقها، أم السياسة بدهائها؟
أصبحت الدول تعتمد على الاستثمار في الرياضة، فمن الناحية الاقتصادية يعدُّ الاستثمار في هذا القطاع من أسرع القطاعات نموًا، وتحقيقًا للأرباح، ومن الناحية الدبلوماسية تساهم الرياضة في تحسين صورة الدولة الخارجية، بل وأحد المتغيرات التي تبنى عليها معايير تقدير سمعة الدول، هذه المعايير كما صنفتها المؤسسات، والمعاهد العالمية المتخصصة، تتكون من عدة مؤشرات؛ كالتعليم، والأمن، وجودة الحياة، والبيئة الاقتصادية الجاذبة، والبيئة الطبيعية والثقافية والرياضة، وغيرها.
فبريطانيا مثلًا حددت أربعة أهداف تسعى لتحقيقها من استضافة دورة الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين:
1- ثقافة التعايش.
2- المكاسب الاقتصادية.
3- الوقاية الأمنية.
4- السمعة العالمية.
مما يؤكد على أن السمعة أصبحت متغيرًا رئيسًا ليس فقط في العلاقات الدولية، بل وفي الدبلوماسية العامة -الشعبية- فالسمعة الجيدة، تجلب السائح، والمستثمر، وتصنع رأيًا عامًا دوليًا، يختزل في ذاكرته صورة ذهنية حسنة عن هذه الدولة، لذا تبذل الحكومات جهودًا كبيرة ومتتابعة، من أجل الإدراك الإيجابي لبلدهم، ويبرز النموذج السعودي كأحد النماذج التي ركزت على استضافة البطولات الرياضية العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يندرج تحت مصطلح الدبلوماسية الرياضية، بهدف عكس الصورة الحقيقية عن المملكة، فبدلاً من أن كان العالم يسمع عنا، صار يسمع منا ويرانا بشكل مباشر.
فالدبلوماسية الرياضية تختلف عن الدبلوماسية التقليدية في أنها استباقية، وأكثر ديناميكية، وقبولًا، ولم تعد مقصورة على النخب فقط، هذه الدبلوماسية الجديدة زادت من فرص نجاح الدبلوماسية التقليدية، ومهَّدت الطريق أمامها، وفتحت لها مغاليق الأبواب، وزادت من التواصل بين الدول والشعوب، ولك أن تتصور ما فعلته الكرة الصغيرة، بدحرجة الكرة الكبيرة، فكانت دبلوماسية البينغ بونغ سببًا رئيسًا في اختراق القطيعة السياسية التي استمرت لعقدين من الزمان بين واشنطون وبكين.
ورغم جمالها وبساطتها، لم تسلم الرياضة من العبث والتسيس والتعقيد، لأسباب سياسية، ورغم تحذيرات الفيفا، ومطالباتها المتكررة بفصل الرياضة عن السياسية، إلا أن إصرار البعض على تحقيق مكاسبه السياسية بغض النظر عن الوسيلة المُتبعة، لم يمنعه من تشويه جمال الفاتنة، وإقحامها في الحلبة السياسية، وإحالتها لأداة ضغط، وتكسب سياسي واقتصادي غير مُباح، فالصين ترفض تلميحات بايدن بمقاطعة ألعابها الأولمبية الشتوية، والرياضيون في اليمن يرفضون عسكرة مقراتهم الرياضية وأدلجتها، والأمم المتحدة والفيفا خارج التغطية!
قلت لصاحبي:
العالم بحاجة لترويض السياسة.. لا لتسيس الرياضة.