المقالات

“الهويريني” وسر الشجرة

ذات يوم وبينما أتصفَّح اليوتيوب، وقعت عيني على عنوان: “إلى من يهمه الشكل”، وكان باديًّا في الصورة رجل كهل وقور بلباس بيته وبساطة مجلسه، شدني حديثه وانفراده بالارتجال الرشيق بين الأوصاف والمعاني، إلى جانب استحضاره المُبهر للشواهد، وقدرته البارزة على الربط بين الفكرة ومدلولها.
لاحقًا، تزايدت رغبتي بلقاء هذا الرجل، والجلوس في مجلسه وأمام شعلة الضوء، بدا لي الحطب المشتعل أمامه مختلفًا في تأثيره كمسار للتأمل واستجلاب الخواطر، وحين حلَّ اليوم المنشود، دخلت بود وترحاب يحفان خطواتي وابتسامتي الخجلة، مددت إليه بالتمر بينما نتحدث فكان ذلك سببًا؛ ليخبرني عن قصة الشجرة، قال: وقفت أمام الشجرة؛ فقلت لها لم يموت أكثر الخلق زحفًا وتموتين واقفة؟ أعدت عليها السؤال مرارًا وأرهفت عقلي لأسمع، فردت بعد محاولاتي الطويلة قائلة: لا آكل من الأرض إلا بقدر ما أحتاج، وإن أخذت أعطيت أضعاف ما أخذته، فمني الظلال والثمار والدفء..
ما شدني في هذا الموقف هي طريقة الأستاذ علي الهويريني -رحمه الله- في تحويل المواقف التي تمرُّ مر السحاب إلى فرص لاستلهام أفكار ونتائج جمالية، من ذلك اهتممت بالتواصل معه ومشاركة نصوصي التي أكتبها فكان ثناؤه حافزًا ومؤثرًا، ولن يزال الفقد يوغل في إيقاد شموع الذكريات، فتتردد كل الكلمات التي سمعتها من جلسات قصيرة؛ لتبعث أمام عيني المنكسرة؛ حيّة، مضيئة، كأنما هي شموع الحداد التي تُواسي ألم الفقدان.
وكما يُقال: “يموت الإنسان مرتين: حينما تخرج روحه، وحينما يذكر اسمه لآخر مرة بين الأحياء”.
أستذكر هذا بينما أرى كلمات “علي الهويريني” ومشاعره الصادقة قد عادت للتداول وسط تكرار دعوات الغفران والرحمة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button