عاش “علي الهويريني” مثقفًا غير مهادن، يكسّر الأنساق ويهدم البنى التحتية المُتعارف عليها، يتوَّج بلقب أول مخرج سينمائي من هوليود دون أن يخرج عملًا واحدًا المُلقب بالمفكر والفيلسوف دون أن يصدر كتابًا واحدًا ودون أن يقرأ كتابًا منذ ٤٠ عامًا عدا القرآن.
ذهب الهويريني؛ ليستثمر حطام الفكرة في صياغة مقولته التي اختلف معها البعض وتلقفتها الأغلبية، ولاقت تجربته إقبالًا وانتباهًا متباينين، وجُوبهت بسخرية واستغراب كما هو حال من تبنوا المغايرة منهجًا.
لم يكن “الهويريني” السائر في الدروب نفسها التي سلكها الآخرون، آمن أن الحياة هي ابتكار طريقة خاصة للتعبير عن أفكارنا وفلسفتنا في الحياة، رفض اجترار مقولات غيره وعزف عن ممارسة طقوسهم، كان المُحارب عن العقل المدافع عن ضرورة استخدامه حتى نجح في أن تكون له مقولته الخالدة التي لم نجدها في مدونات سواه.
أقام بين (البكائين) ينحت معارفه بجدية كاملة واستغراق تام، بطقسية المتصوفة وفلسفاتهم ودأب العارفين وإخلاص النبلاء.
ناجى الشجر واستدنى السماء؛ لتصغي له ثم لقن الحجر درسًا.
صنع من التأمل سفينة ثم أبحر في بحار العقل قبل أن ينحت خلال رحلة إبحاره سيلًا من التعريفات المبتكرة.
أسال على أديم الفكر نهرًا جارفًا من الأفكار؛ وبين البكائين (بكاؤه يوم مولده وبكاؤنا عليه يوم رحيله) إعادة تسمية الأشياء على نحو خاص.
لفتنا إلى قراءة ما كُتب بالقلم الأسمى، وحذر من نظارات خضراء تُرينا الهشيم أخضرًا
وبشَّر بقرآنين (قرآن الوحي الذي أُنزل على محمد وقرآن الوجود من الذرة إلى المجرة ومن الفيروس إلى الحوت) وصلاة تقام خارج المسجد لا داخله معتبرًا ما بداخل المسجد أداء للصلاة أعلن خشيته من الله يوم لقائه، وأبان كيف يعمل لذلك من خلال عمليات أسماها (حياة النوافل) من زراعة الشجرة إلى إماطة الأذى إلى الابتسامة إلى الوجه الطلق إلى غير ذلك من الآراء الثقافية والمآثر المحمودة التي تركها خلفه.
لم تكن آراؤه فكرية ودينية وحياتية فقط بل وزعها بين الدراما والفن والمسرح حتى بات (القابض على جمرة الدراما )؛ التي حلم بدراما قادرة على أن تُذكي في الجموع طاقة عمليّة خلاقة، وأن تُظهر الفرد بمقاييس عالية من القوة لا تمر عبر الإضحاك والضعف والهشاشة، وتمنى أن يأتي يوم تكون فيه الدراما للفرد ذلك المنهل الذي يغترف منه فيرى أمجاد أمته، وصور الخلود التي سطرتها الأجيال؛ لتتحول معها الدراما منشأة يتوكأ عليها ويهش بها على أوهام يومه ويتحسس بها غده محذرًا من (الدراما الصابونية) التي تنشر غسيل المنازل وقضايا الطلاق والزواج، والحب على أطراف الكنبات.
هكذا يأتي الموت؛ ليكسر القلم الأسمى بعد أن صنع لنفسه بها فلسفة خاصة تعبّر عن عميق المعرفة.
وداعًا علي الهويريني