محمد شابٌ في السابعة عشرة من العمر وهو بين أقرانه، وهو مثالٌ يُحتذى به في التزامه بفروض دينه وتفوقه في دراسته بل وطاعته لوالديه وأخلاقياته في كل تصرف، عطوفٌ جدًا على من هم أصغر منه سنًا ويفوق احترامه كل وصف لمن يكبرونه، لم تكن حياته مزعزعة الأطراف بوالدين منفصلين، ولم يكن يعاني من الفقر أو سوء الأحوال الاقتصادية، ولم يكن وحيدًا بل كان له أخوةٌ وأخوات..هو من أُسرةٍ ميسورة الحال، تتمتع بالرفاهية المعقولة بلا إفراط ولا تفريط..
لكنه هوى وانجرف الى شيءٍ مجهول، ولا تفسير له حتى هذه اللحظة..وغاب مع غياب الأيام ولم يبقَ سوى ذكرى مؤلمة بل ومحيرة..
اجتمعوا للمرة الأخيرة وكأنه يعلم وسلم على الجميع بحرارة، وطلب منهم العفو إن بدر منه شيءٌ أغضبهم، واختفى بين طيات الرياح التي هوت به من سطح منزلهم؛ ليقع على الأرض جثةً متناثرة وروحه العذبة تُحلق إلى غير عوده..تاركًا خلفه قلوبًا تحترق وأعينًا تدمع وعقولًا مصدومة.. ترك فجوة تألم منها الكثير، وضاقت بها الأنفس جدًا.
قد يتوقع البعض أنه قد وقع ضحية التعاطي أو أصحاب السوء أو حتى اختلال أعصاب أو عقل أودى به، ولكن ماذا إن عرفتم أنه سليم ولم يخالطه شيءٌ من هذا، وأن الفحوصات قد أثبتت أن جسمه، ودمه نظيفٌ تمامًا من أي مواد قد تتسبب بمثل هذه الحوادث..
والسؤال لماذا وما هي الدوافع التي أنهت حياة شاب ودمرت كيان أسره ؟؟؟؟
سأستشهد في كلامي بتوجيهات أستاذ التنمية الذاتية وعلم النفس التربوي الدكتور/ مصطفى أبو سعد، وسأشدد على ندائه بأن أفيقوا من خطرٍ يهاجم أبناءنا ونحن عنه غافلون (كوريا الجنوبية) ومحو الهوية الإنسانية والقيم الإسلامية والأخلاقيات، والانحدار نحو كل تمرد لا يتوافق وطبيعة المخلوقات وفطرتهم.
قد يهدد خطر الترويج للمخدرات على سبيل المثال بعض الفئات ولكن ليس الجميع، وقد تتعاطف فئاتٌ أخرى مع من يعانون الضغوطات النفسية أو فقد الهوية الجنسية، وأكرر وليس الجميع، وقد تنادي بعض المجتمعات دون تحديد لمكانٍ معين لحرية الأديان أو ربما لا للدين وإنما لطريق الشيطان، وأشدد على التكرار وليس الجميع..
إذن ما هو الخطر الذي يجب أن نفيق لنواجهه!؟
نعم يا أمتنا العربية يا أمتنا المسلمة يا أمتنا التي تسعى لإيصال أبنائها، ومن هم قادمون لبر الأمان – للتعمق في العلم والتكنولوجيا ومواكبة كل تطور يسعى لخلق حياةٍ كريمة، ويكفل لأجيالنا القادمة ثبات الأقدام؛ لتنعم حياتهم بالكماليات لا بالأساسيات فقط (ولكننا فقدنا قدرتنا على زراعة رواسخ الأخلاق، وحدود التكامل
عودًا على ما جاء في أحد تنويهات الدكتور/ مصطفى، بأنهم بدأوا بالأزياء، ثم الرموز التعبيرية وتقلدها سواءً مطبوعةً على ملابسهم أو في أقراط متعددة وخواتم وسلاسل تحمل أشكالًا غريبة..علاوة على تغيير ألوان الشعر واختلاف القصات..واتباع نمط معين من الموسيقى والذي ينم عن التخبط وعدم الاستقرار (بين التقدم والانحدار – بين الانتماء والتمرد) تمسكًا ببعض مناهج الدين وتمردًا على بعضها الآخر، تدرُجًا نحو مناصرة المثلية من مدخل أنه شيءٌ خارجٌ عن الإرادة، وعلينا أن نتعاطف معهم، ومن ثمّ لا بأس في اتباع معتقداتهم .. انحدارًا إلى محاربة أكل اللحوم (تعاطفًا) مع أنها أرواح لا متسع لتعذيبها من منطلق الرحمة ولماذا فقط لإرضاء أطماع وشر البشر (متناسين أنها سنة الله تعالى في الأرض وأنه تعالى أحلها طعامًا واستنفاعًا) ثم محاربة الأنظمة الكونية (كالزواج – وطلب العلم – والتعايش مع ظروف الحياة)؛ ليصل كل عقلٍ في كل منزل مهما كانت ظروفه الحياتية لنفس التخبط وبمختلف القدرات، البعض قد ينساق مع بعض التوجيهات، وآخرون قد يفضلون أن ينفذوا ما يملى عليهم وتترجمه عقولهم منفردين، أسى حقيقي لا يخالطه شك.
وندائي هنا الى كل الجهات المسؤولة (ألن نقدر أن نحاوط هذا الانفتاح ببعض القيود؟ هل سنترك حياة الأجيال التي ستحمل على عاتقها إعمار الأرض من بعدنا ليواجهون مصيرهم مسلوبي الإرادة والعقل؟ وهل بلدٌ صغير مثل كوريا الشمالية بديكتاتوريتها فاقت عدة دول لدرء المفاسد القادمة من وراء الأجهزة والشبكات لتحطيم العقول؛ لتُسن قوانين تمنع التجاوزات حتى من وراء حدودها وأمام كل انفتاح ؟)
أنا هنا أضرب مثالًا، وقطعًا لا أُقارن بل أُطالب بالحفاظ علينا جميعًا من تيارٍ جارف قد بدأ بالترفيه المبتذل، وقد ينتهي إلى نهاية أراضينا وقيمنا وأبنائنا ويمحو وجودنا، إلى غير عودة ونحن تاريخٌ يعبر نحو المجد، وسيبقى ما بقيت بنا القيم.
1
مقال في الصميم الي الامام