يروى أن فأرًا كان يعيش في مزرعة صغيرة مختبئًا في جحره وحذرًا من أصحاب المزرعة، وذات يوم وبينما كان الفأر يُراقب صاحب المزرعة وزوجته، وهما يفتحان صندوقًا جميلًا، ففرح الفأر حيث كان يعتقد أن بداخل الصندوق كل ما لذَّ وطاب مما تشتهي نفسه من الطعام، ولكن فجأة توقف مصدومًا من المفاجأة، حينما لاحظ أن الزوجين يخرجان من الصندوق مصيدة للفئران! خرج الفأر مسرعًا إلى فناء المزرعة، وبدأ يصرخ محذرًا بقية الحيوانات، فسمعته إحدى الدجاجات، وقالت له في غرور: اسمع أيها الفأر، إن هذه المصيدة هي مشكلتك أنت بمفردك، فلا تُزعجنا بصياحك، وطلبت منه التوقف عن الجري والقفز في كل مكان. ترك الفأر الدجاجة المغرورة، وقرر الذهاب لطلب المساعدة من الخروف قائلًا له: هناك مصيدة داخل منزل الفلاح، فتعاطف الخروف الطيب مع الفأر، ولكنه قال له: يا سيد فأر أعتذر منك فأنا ليس أمامي شيءٌ أستطيع أن أفعله لك.
لم يجد الفأر المسكين مفرًا من الاستنجاد بالبقرة؛ فأسرع إليها واشتكى لها ما يحدث فقالت له البقرة في سخرية واستهزاء: يا إلهي، أحقًا في البيت مصيدة! من الواضح أنهم يريدون اصطياد الأبقار!! حينها أدرك الفأر لا مبالاة البقرة، وأيقن أن عليه أن يتصرَّف بمفرده فلن يساعده أحد. واصل الفأر مراقبة المزارع حتى عرف المكان الذي وضع فيه المصيدة، وبعدها نام الفأر قرير العين بعيدًا عن مكان المصيدة. وفجأة استيقظ الفأر على صوت المصيدة وهي تنطبق على فريسة، فأسرع إلى مكان المصيدة فرأى ثعبانًا يتلوى بعد أن أمسكت به المصيدة، ثم جاءت زوجة المزارع مسرعة تظن أن المصيدة قد أمسكت بالفأر، فقرصها الثعبان وتمَّ نقلها فورًا إلى المستشفى حيث تلقت العلاج، ثم عادت إلى المنزل وهي ما زالت تُعاني من أثر لدغة الثعبان، وقد أخبر الطبيب الزوج أن يهتم برعاية زوجته حيث إن عليها الإكثار من تناول السوائل والشوربة. فقام المزارع بذبح الدجاجة لصنع الحساء الشهي لزوجته، ثم حضر الأهل والأقارب والجيران للاطمئنان على حال الزوجة، فكان لابد من ذبح الخروف حتى يكرم المزارع ضيوفه، ولكن للأسف أن الزوجة المسكينة قد توفيت بعد مرور أيام، فحضر المعزون من كل مكان؛ فاضطر المزارع إلى ذبح البقرة حتى يقيم لهم وليمةً مناسبة.
هذا هو حال كثير من الناس في الحياة بصورة عامة وفي أروقة المؤسسات بشكل خاص؛ فعندما يواجه شخص ما مشكلة معينة يعتقد الآخرون أنها تخصُّ ذلك الشخص بمفرده، وأنه هو المستفيد الوحيد من حلها، ظنًا منهم أن تلك المشكلة لا تعنيهم ولن تؤثر عليهم بأي شكل من الأشكال. لكن المفترض أنه حتى لو لم تكن تلك المشكلة تؤثر عليهم؛ فإن ما تدعو إليه مكارم الأخلاق والعلاقات الإنسانية، وما جاءت به الأديان السماوية وما تفرضه العادات والتقاليد؛ كل ذلك يحتم على الإنسان مساندة غيره من الناس ممن تصيبه كربة أو تواجهه معضلة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإنسان ليس بمنأى عن أن تؤثر عليه سلبيًا نتائج تفاقم تلك المشكلة التي ابتعد عن مساعدة الشخص الذي وقع فيها، بل ولربما تواجهه نفس المشكلة في قادم الأيام.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا لا يساند الموظفون بعضهم البعض؟ لا شك أن هناك أسباب متعددة منها: الفردية والأنانية التي تنمو في بيئة العمل بصورة كبيرة؛ فتجعل الموظف لا يفكر إلا في نفسه. كما أن اختلاف مسمى الوظيفة أو التخصص يُشكل جانبًا آخر من جوانب العزوف عن مساندة الآخرين، كذلك فإن اختلاف الكادر الذي يتبع له الشخص يعد سببًا في العزوف عن تقديم المساعدة لصاحب المشكلة؛ حيث إن كثيرًا من المؤسسات لديها أكثر من كادر، فالقطاع الصحي على سبيل المثال لديه أشخاص يتبعون الكادر الصحي، وهناك ممن هم على الكادر الإداري وكذلك المؤسسات التعليمية لديها الكادر الجامعي أو التعليمي وآخرون على الكادر الإداري وهكذا الحال في كثر من المؤسسات؛ وبالتالي تجد نظرة كل شخص لوظيفته تختلف عن نظرته للوظائف الأخرى. بل ربما أن هناك نظرة دونية من أصحاب الوظائف الفنية في المؤسسة تجاه الوظائف الإدارية؛ فتجد الطبيب في المستشفى والأكاديمي في مؤسسته التعليمية والمهندس في مصنعه ربما ينظرون إلى الكادر الإداري نظرة تعالي، وبالتالي من الطبيعي أن لا يهتموا بأية مشكلة تخص أولئك الإداريين. ولكن يبقى الخوف من الإدارة هو العامل الأكثر تأثيرًا في الابتعاد عن مساعدة صاحب المشكلة؛ وخاصةَ عندما تكون الإدارة هي المتسبب الرئيس في حدوث تلك المشكلة، حيث إن الغالبية يخشى ردة فعل الإدارة.
إن مساعدة الآخرين لا تعني التفرغ التام لهم ولا الذهاب معهم في كل مكان لإيجاد حلول لمشكلاتهم، ولكن يكفي أن ندعمهم برأي أو مشورة، أو أن نواسيهم ونرفع من معنوياتهم، ولو بمجرد التعاطف معهم، وربما نستطيع أن نرشدهم إلى الخطوات التي نرى أنها مناسبة لحل المشكلة؛ لأن الشخص الذي يقع تحت ضغط مشكلة معينة حتى وإن كان الحل قريبًا منه إلا أن قوة تأثير المشكلة عليه تُصيب تفكيره بالشلل.
خير ختام:
قال رسول الله -صلى الله عليم وسلم-: (واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ).
——————————
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة.