كان الشاعر العرجي، وهو عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان حفيد الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يتطلع إلى أن يتولى ولاية مكة المكرمة في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
ولكن خال الخليفة محمد بن هشام المخزومي قد فاز بالمنصب؛ نتيجة لعلاقته وقُربه من ابن أخته، وهنا
حزن العرجي، وأنشد قصيدته المعروفة تعبيرًا عن حزنه بخسارة المنصب فقال:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
وصبر عند معترك المنايا
وقد شرعت أسنتها بصدري
كأني لم أكن فيهم وسيطًا
ولم تكن نسبتي في آل عمرو.
ويُقال دائمًا أن الشيء بالشيء يُذكر، فقد كان هناك تغريدة قبل فترة قصيره لأحد الوزراء أظهر فيها الوزير نوعًا من الحزن والتأثر النفسي بعد تقاعده من العمل، وعدم اهتمام الناس به بعد تقاعده، ومغادرته الوزارة التي قضى فيها ما يُقارب أربعين عامًا.
وقد تذكرت تصريح للأستاذ عبدالله جمعة رئيس شركة أرامكو السعودية السابق في إحدى المناسبات الاجتماعية حين كان يطوف عواصم العالم بطائرة خاصة، وتستقبله السيارة الفاخرة عند باب الطائرة؛ لتقوم بنقله إلى غرفته في الفندق في الوقت الذي تكون شنطه قد وصلت إلى غرفته بالفندق بينما بعد تقاعده من المنصب، أصبح يبحث عن مقعد درجة سياحية على الخطوط السعودية من الدمام إلى الرياض وأحيانًا لا يجد.
وهناك أسباب كثيرة لشعور بعض الموظفين الكبار بالحزن والاكتئاب، وأحيانًا الدخول في دوامة الأمراض النفسية بعد تقاعدهم من العمل، ومغادرتهم مناصبهم لكن هناك سببين واضحين ربما نحتاج إلى ذكرها، وهي كالتالي:
أولًا: الفرق المادي والاجتماعي الذي يحدث نتيجة للوصول إلى منصب معين مما يجعل مستوى الحياة يتغيَّر تبعًا لذلك؛ فيظن صاحب المنصب أن هذا الوضع الجديد هو الوضع الطبيعي، وأنه سيستمر ويبدأ يتصرف على أساس هذا الوضع لكن في الحقيقة هذا الوضع الجديد هو وضع مؤقت، وهو جزء من متطلبات الوظيفة الجديدة، وكل ما يعطى ويمنح أثناء هذا العمل الوظيفي الجديد هو منح مؤقتة توازي المسؤوليات الجديدة، وكل الصلاحيات التي تعطى يقابلها مسؤوليات جديدة.
فالمنصب ليس ملكًا لأحد بعينه، وكل من يمر على هذا المنصب سوف يحصل على نفس الميزات والعوائد.
ثانيًا: إدمان العمل (workaholic):
لقد ظهر هذا المصطلح على يد عالم النفس “واين اوتس” سنة 1968؛ ليعبر عن الحاجة المُلحة لشخص ما إلى العمل دون توقف.
ووجد عالم النفس هذا أن علاقة بعض الأشخاص بعمله تُشبه إلى حد كبير الإدمان على الكحول أو المخدرات.
وكثيرًا مايستخدمون المدمنين على العمل الشغف كعذر لهم.
لكن هناك فرقًا بين الشغف والإدمان على العمل.
فإذا كان الشغف مرتبطًا بالعمل الجاد الخلاق، نجد أن إدمان العمل ينبع في الغالب من مشاعر سلبية كالشعور بالذنب أو النقص.
وعادة ما يجدون الأشخاص الشغوفين بالعمل متعة بينما نجد المدمنين على العمل يُعانون من الإنهاك والإرهاق الشديد، ويكونون في الغالب شديدي التوتر.
لقد أظهرت دراسة أجريت بجامعة بيرغن أنه كلما زادت ساعات العمل ازدادت معها مستويات التوتر لدى الموظفين، وارتفعت شكواهم الصحية وقل تركيزهم، وازدادت مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
وعندما تتطور حالات مدمني العمل تؤثر على علاقتهم الاجتماعية والعائلية وحياتهم الخاصة حتى تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار علاقتهم الأسرية.
فإذا كان عملك فعليًا يسيطر على تفكيرك وعلى علاقاتك الأسرية والأصدقاء؛ فقد حان الوقت إلى تغيير حياتك، والتغلب على مشاكل العمل المرتبطة بوجودك فيه.