تنقسم العوامل المساعدة على اختلال الهوية، على كل ما لا يتوافق مع المعايير الموحدة للثقافة الواحدة في المجموعة الواحدة داخل نفس الحدود إلى عوامل ترتبط بالفرد، وأخرى بالمحيط الخاص بالفرد، وأخيرًا عوامل ترتبط بالحدود التي تحتوي مجموعات متنوعة، وتضم كافة أفراد المجموعة. ففيما يختص بالفرد، لابد تحرير العنصر الواحد من القلق والسلوك العدائي، وتدريبه وتأهيله وتغذيته على الاعتدال والتوازن والحفاظ عليهما. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). فكم منا اليوم يطبق تعاليم الاعتدال والحب والتسامح منبع دين اليسر، والاعتدال على نفسه، ويعلمه الآخرون، ويزرعه في أجيال المستقبل؟؟ بأن يكون قدوة وأن يبدأ بالتنفيذ على نفسه أولًا قبل أن يعلمه الآخرون.
توجد أهمية بالغة وملحة لوجود القدوة في حياة الأفراد، لما لها من تأثير على النشء والمجتمع. فقد أثبتت التجارب وحقائق البحث العلمي أن القدوة في الأسرة، وفي المدرسة وفي المجتمع بشكل عام، تحدث تأثيرًا في سلوك واتجاهات المحيط بشكل غير مباشر على عكس التعليم؛ فإن له دورًا مباشرًا. وبمراجعة أهم أحداث التاريخ، ومما كان له تأثير بالغ في تغيير اتجاهات وقيم أمة بأسرها. نجد قوله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”. صدق الله العظيم. فلقد كان صلوات الله عليه وسلم إلى يومنا هذا خير من يحتذى به؛ إذ اقتدى به أصحابه والتابعون وتابع التابعين إلى يوم الدين.
والأم في منزلها قدوة بل مدرسة بأسرها، فمشروع صناعة القدوة المؤثرة يبدأ من الأم، ولا يقف عندها فحسب، بل للمعلم الصادق الملتزم في مواعيده والمتمكن من منهجهه المحب لطلبته والرحيم بهم، والمتابع لتقدمهم، والمخلص مع مجتمعه له تأثير بالغ. فكم من أسماء خالدة في أذهان الكثير منا، بمعلم كان لنا قدوة حسنة. كما لا ننسى دور العوامل الأخرى التي تعتبر رئيسية للفرد، وهي المنزل والمدرسة، وبكل تأكيد الأم. فالأم مدرسة إن أنت أعددتها، أعددت شعبًا طيب الأعراق. ولابد العناية بل العناية الفائقة بالمرأة. وتلك العناية لابد أن تحتوي على الرعاية والتوجيه والإرشاد التدريجي مع الملاحظة، وليس المراقبة. وذلك للتأكد من نمو البراعم التي سوف تثمر لاحقًا، من خلال التحفيز والتنشيط الذي يعزز دورها الحقيقي لأنها نواة المجتمع الأولى، وخط الدفاع الأوَّل للأسرة التي تغذي المجتمع بالأجيال الجديدة.
نحتاج المرأة في بناء الأجيال، ولا أقول: إن المرأة تحتاج للرجل أو الرجل يحتاج للمرأة بل هو احتياج مشترك لمهمة مشتركة وهدف واحد وغاية سامية، وهي إعمار الأرض بالأجيال المثمرة، فكلاهما مكمل للآخر. إذ لابد من فهم واستيعاب أن هذه الاحتياجات هي روابط تساهم في نمو وبناء الأسرة التي بدورها تقوم في تنمية الاتجاهات لدى الأطفال، ويتم تكرار التجربة، لكن هذه المرة على مستوى المجتمع. ولا ننسى دور الرفقاء والأصحاب، “عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي”. فقد تقوم الأسرة بالإصلاح والتطوير، ويكون هناك نموذج آخر لا يتبنى نفس المنهج ونفس الاتجاه والقيم والسلوك المراد تكرارها داخل المجتمع، وتؤثر سلبًا بالتأكيد على النموذج الأصلي. إن المجتمع قد يواجه ظروفًا معينة يعيشها أفراده، وتعمل على تحفيز وانتشار الأمثلة غير الحسنة بسبب التغير الاجتماعي المتسارع الذي يصاحبه عادة، اختلال ملموس في التوازن الاجتماعي والقيم التي تؤدي للقلق والجهل كوسيلة لتغطية الأخطاء مما قد يتم استغلالها لاحقًا في تحفيز نموها كالعدوى التي تصيب فردًا وتنتشر. وقد يعيش الفرد الاغتراب داخل مجموعته أو في مجتمعه. فالفرد المغترب عن الأهداف والمعايير السائدة لا يشارك في الإطار المشترك للمجتمع المعتدل. مما يخلق أزمة اجتماعية أو جائحة اجتماعية تتطلب جهودًا مشتركة في مكافحتها والتغلب عليها، حتى لو تتطلب الأمر إعطاء جرعات تنشيطية أو لقاحات جماعية لمنع انتشارها، وتحديد قدرتها على الانتشار.
إن صناعة القدوة هو اللقاح الأمثل. وللوقاية حلول أخرى منها ما هو يتعلق بقضايا مثل التعليم والبطالة، ووسائل الاتصال، والإعلام الجديد، والشباب والفراغ، مشكلات الشباب النفسية والاجتماعية، الرعاية الأسرية والتنشئة الاجتماعية. ومن المؤثرات على الهوية والانتماء لدى الفرد أو المواطن ما يشكل انعكاسات على المجتمع من النواحي الاجتماعية والثقافية والنفسية. فما يزال معدلات الشباب في التعليم دون تسرب مؤشرًا لقضايا متنوعة. وإن ضغوطات المنافسة في الثانوية العامة بين الشباب لا تزال موجودة، وارتفاع نسبة الإنفاق العائلي على التعليم من إجمالي الدخل العائلي مرتفعة. ولا يوجد معدلات حقيقية تربط التعليم بسوق العمل، لعدم وجود مقاييس حقيقية بسبب تغيرات سياسات التعليم المستمرة وازدواجيتها بشكل ملحوظ. وعدم الاستفادة من دمج التعليم والتدريب والتقويم، وصعوبة الحراك المهني والوظيفي وافتقاد الإرشاد المهني المحترف والفكري والنفسي داخل مؤسسات التعليم. وعدم جدوى ملاحظة وقياس وتجويد العمليات التعليمية، وارتفاع نسب التسرب والفاقد التعليمي، وضعف الكفاءة الاجتماعية وانتشار الأمية الرقمية ونقص في عدد النماذج الرقمية، في الاعتدال في العالم الرقمي. وعدم مراعاة أساسيات المواطنة الرقمية في العالم الافتراضي. أما على صعيد سوق العمل، وبالاطلاع على بيانات هيئة الإحصاء وبيانات التأمينات الاجتماعية، نجد أن نسبة التمثيل الأجنبي في سوق العمل المحلي غير متزنة. كما أن معدلات الاستقالة من العمل بين السعودين منتشرة دون أسباب واضحة. كذلك انتهاء عقد العمل دون تجديد أو فسخ العقد بموجب فترة التدريب غير مستقرة لدى السعوديين بينما معدل التمثيل الأجنبي والالتحاق بعمل جديد مرتفع إذا ما تم مقارنته بالتمثيل المحلي في السوق المحلي.
ولا يمكن فصل المشكلات التي يواجهها الشباب في حياتهم العملية والعلمية عن تلك المشكلات والظواهر في المدارس والجامعات بسبب النظام التعليمي المتسارع في تغيراته وضعف التنسيق بين التعليم واحتياجات المجتمع. الأمر الذي يجعل هناك أهمية وضرورة ملحة لدمج التعليم والتدريب والتقويم، للمحافظة على التوازن واستعادة معدل نمو واضح في كفاءة الإنفاق. ولرأب الصدع في مسيرته العامة وإحداث نقلة نوعية للفرد والقضاء على الإعاقة الذهنية. إذ لا يوجد برامج تأهيل متخصصة عن كل مرحلة تعليمية وأخرى لتأهيل الشباب. ومراقبة الفاقد التعليمي أو سياسات للتعويض والتاكد من إتمام المرحلة السابقة، واستعداد الفرد للمرحلة التعليمية التالية في سلم مراحل التعليم ومستوياته المتطورة.
إن البحث في العلاقات بين التعليم والعمل هي أبحاث لقضايا فنية، وتحمل أبعادًا اجتماعية لها تأثير سلبي في الواقع الحقيقي الذي بالتالي ينسخ ما هو موجود في الواقع الافتراضي من مخرجات العالم الواقعي. فلماذا هو مستغرب ومستهجن وجود نماذج في العالم الافتراضي، يتبعها براعم أجيالنا دون تمييز؟ إن المشكلة ليست في العالم الرقمي أو الافتراضي الذي هو انعكاس لما هو واقع. بل إن المشكلة التي كانت بالأمس بضعة حالات هي اليوم ليست مجرد ظاهرة.
————————
@ALDrSalman