قال صاحبي: ما سر الاهتمام الأمريكي البريطاني تحديدًا بالقضية الأوكرانية، لماذا هذا التنمر، والتضليل في الخطاب السياسي والإعلامي المُوجه ضد روسيا، في مقابل التسامح مع ميليشيا الحوثي مثلًا!!، هل تهدد روسيا أوكرانيا، أو لماذا تستعدي أوكرانيا روسيا، لماذا الغرب يسعى لضم كييف إلى الناتو!؟
التاريخ لا يُعيد نفسه، ولكن الأحداث تتشابه، لذا عندما نستنطق التاريخ نجد أن هذه الأزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية 1962، التي حبست الأنفاس، مما جعل العالم على شفا حرب نووية، ومع من أن تلك السنوات كانت مليئة بالتوتر والقلق إلا أن العقل والحكمة تغلبت في النهاية، واختارت سلاح الحوار، بدلًا من حوار السلاح.
ماذا تريد موسكو؟ تبسيط الإجابة يقودنا للقول بمحافظتها على مجالها الحيوي، واستجابتها لطلب رعاياها السابقين الذين يحملون جوازات روسية، وربما يرغبون بالعيش تحت مظلة الكرملين، فهي دولة عظمى قياسًا بإيران التي قامت بعمليات عسكرية، وإرهابية بمزاعم حماية مجالها الحيوي ونصرة المستضعفين!! وأما الهدف الأهم فهو تحجيم الناتو ومنع تمدده لمحاصرة روسيا، سواء بإضافة أعضاء جدد، أو بنشر الصواريخ في عدد من دول أوروبا الشرقية، والتي تُمثل ضغطًا وخطرًا وجوديًا على الرفاق، الذين ما زالوا ينظرون لهذه الدول بأنها حديقتهم الخلفية، تمهيدًا لإعادتها إلى بيت الطاعة الروسي، تمهيدًا لاستعادة مكانتهم، كأحد الأقطاب العالمية العائدة، وليست الصاعدة.
ماذا يريد الغرب؟ لقد سألت عن عظيم، فالغرب أعاد تموضعه مؤخرًا، ورسم استراتيجياته، وأسس تكتلاته السياسية والعسكرية والتي منها الانسحاب من أفغانستان، تشكيل تحالف “أوكوس”، ترتيب أولوياته، وتقليل تواجده في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتفعيل أدوات الحرب الباردة، التي لم تنتهِ بسقوط جدار برلين كما يتصور البعض، والعودة إلى سباق التسلح، ومحاولة استنزاف روسيا بالتدخل في أوكرانيا، من خلال دفع الأخيرة وتشجيعها وإغرائها بالدعم والمساندة على الصعد كافة، حتى تستفز الدب الروسي، وتسحب قدمه للمستنقع الأوكراني، طمعًا في إشغاله بنفسه، والتفرد بالتنين الصيني.
ساهمت الأزمة الأوكرانية بتسريع التقارب بين موسكو وبكين، اللتين تدركان جيدًا نوايا الغرب تجاههما، وأنهما بحاجة ماسة للتوافق، والتكتل، ونسيان الماضي، ومواجهة المستقبل، برؤية واحدة، وهو ما عبر عنها البيان الموقع بين الرئيسين الروسي والصيني، والذي عكس عُمق الأزمة مع الغرب، وعجل بظهور هذا القطب الثنائي الذي سيزداد قوةً مع قادم الأيام، لمواجهة المكائد الغربية التي تسعى لاستفزاز هذه الدول، وإدخالها في حروب استنزاف مع جيرانها حلفاء الغرب.
ما المتوقع؟ هل سيشهد العالم حربًا كونية ثالثة؟ أم أنها ما تزل تحت طور تشكيل دول حلفاء ومحور جدد؟ في توقعي أن الحرب العالمية الثالثة مستبعدة خلال المرحلة القريبة والمتوسطة، لأسباب كثيرة منها أن هذه الدول لديها من الكوابح الدستورية والسياسية والتاريخية والاقتصادية ما يمنعها من الانزلاق للتورط بدخول حرب عالمية؛ إضافة إلى أن قادة الغرب اليوم لا يتمتعون بقدرات وشخصيات الزعماء السابقين، بالإضافة إلى التخوف من قدرات بكين العسكرية التي لم تختبر بشكل واضح، كما أن المعلومات الاستخبارية الغربية تتخوف من القدرات النووية السرية للصين تحديدًا، ومن سلاح الغاز الروسي الذي قد يتسبب في تجمد أوروبا.
ما الحل؟ ربما يتوقف الأمر على مشاغلة بكين وموسكو في ملفات حقوق الإنسان، والحريات، وتقرير المصير، والديموقراطيات، وتشجيع الدول الحليفة للغرب من الفلبين إلى أوكرانيا، للتماس مع الصين وموسكو، وهو ما يعكس القلق الأمريكي حتى وإن وصف بايدن روسيا بأنها فولتا العليا بسلاح نووي، فهي لم تعد تُشكل تهديدًا وجوديًا من وجهة نظر واشنطن، فإن هذا لا يغير حقيقة أن موسكو لا تزال تُعتبر خصمًا سياسيًا وربما أيضًا عسكريًا، وهو ما يظهره القلق الأمريكي عبر خطابات وإشارات متعددة، والحالة متكررة مع الصين التي لا يرى فيها الناتو تهديدًا وجوديًا، ولكن تزايد التعاون الصيني الروسي عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا؛ يُمثل تهديدًا استراتيجيًا للحلف الأطلسي.
قلت لصاحبي:
السياسة تُشبه لعبة الشطرنج.. حتى تفوز بها عليك استنزاف الخصم أولًا.
0